للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا كونه أمّياً فليس في معرفته للكتابة ما يقدح في أمّيته؛ إذ ليست المعجزة مجرد كونه أمياً؛ فإن المعجزة حاصلة بكونه - صلى الله عليه وسلم - كان أولاً كذلك ثم جاء بالقرآن وبعلوم لا يعلمها الأميون.

ذكر هذا الجواب: أبو الوليد الباجي، وابن العربي، وابن الجوزي، وأبو العباس القرطبي. (١)

وأجاب الذهبي: "بأنَّ ما كلّ من عرف أنْ يكتب اسمه فقط يخرج عن كونه أمياً؛ لأنه لا يسمى كاتباً، وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ" (٢) أي أكثرهم كذلك لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)) [الجمعة: ٢] ". اهـ (٣)

واعتُرِضَ على هذه الأجوبة: بأنَّ كتابته - صلى الله عليه وسلم - تكون آية إذا لم تكن مناقضةً لآية أخرى، وهي كونه أمياً لا يكتب، وبكونه أمياً في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة، فكيف يُطْلِق الله يدَه لتكون آية؟ وإنما الآية أنْ لا يكتب، والمعجزات يستحيل أنْ يدفع بعضها بعضاً. (٤)

أدلة هذا المذهب:

استدل القائلون بإثبات الكتابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأدلة منها (٥):


(١) انظر على الترتيب: تحقيق المذهب، للباجي، ص (١٨٧ - ١٩٢)، وعارضة الأحوذي، لابن العربي
(٨/ ١٥٤)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (٢/ ٢٤٩)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٦٣٧)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (١٢/ ١٩٢)، والتلخيص الحبير (٣/ ١٢٦)، وفتح الباري (٧/ ٥٧٦)، كلاهما لابن حجر.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الصوم، حديث (١٩١٣)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، حديث (١٠٨٠).
(٣) تذكر الحفاظ، للذهبي (٣/ ١١٨١ - ١١٨٢)، وانظر: سير أعلام النبلاء، له (١٤/ ١٩٠).
(٤) انظر: الروض الأنف، للسهيلي (٤/ ٥٠).
(٥) انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٦/ ١٥١)، والتلخيص الحبير، لابن حجر (٣/ ١٢٦ - ١٢٧).

<<  <   >  >>