للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز، ولهذا ثبت في الصحيح أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً ليفهم (١).

ثم أشار النووي إلى ضعف مذهب الجمهور المُتقدم فقال: وأما قول الأولين فيضْعُف بأشياء، منها:

أَنَّ مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا" (٢)، وغيره من الأحاديث، وإنما ثنَّى الضمير ها هنا؛ لأَنَّه ليس خطبة وعظ، وإنما هو تعليم حِكَم، فكُلَّما قَلَّ لفظه كان أقرب إلى حفظه، بخلاف خطبة الوعظ، فإنه ليس المراد حفظه، وإنما يراد الاتعاظ بها، ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة الحاجة، الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أَنْ لا إله إلا الله، وأشهد أَنَّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً". (٣) والله أعلم". اهـ (٤)

وقد وافق النوويَ على رأيه هذا: الشوكانيُ، وأبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. (٥)

وعلى مذهب النووي ومن تبعه فإنه لا إشكال في الآية؛ لأَنَّها ليست في سياق الخطبة والوعظ، إذ الممتنع على رأيهم هو استعمال مثل هذا الأسلوب في خطب الوعظ فقط.

وقد اعترض السندي على رأي النووي فقال: "إنه ضعيف جداً؛ إذ لو


(١) عن أنس - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب العلم، حديث (٩٤).
(٢) تقدم تخريجه قريباً.
(٣) تقدم تخريجه قريباً.
(٤) شرح صحيح مسلم، للنووي (٦/ ٢٢٧).
(٥) انظر على الترتيب: نيل الأوطار، للشوكاني (٣/ ٣١٤)، وعون المعبود، للآبادي (٣/ ٣١٤).

<<  <   >  >>