للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أجاب ابن عطية على هذا الاعتراض، فقال: "يحتمل أنْ يكون لما خَطَّأَه في وقفه وقال له: "بئس الخطيب أنت" أصلح له بعد ذلك جميع كلامه؛ لأَنَّ فصل ضمير اسم الله تعالى من ضمير غيره أولى لا محالة، فقال له: "بئس الخطيب أنت" لموضع خطئه في الوقف، وحَمَلَه على الأولى في فصل الضميرين، وإنْ كان جمعهما جائزاً". اهـ (١)

قلت: لكن ما اعترض به القرطبي الصواب عدم ثبوته في الحديث، وسيأتي مزيد بيانٍ لذلك في مبحث الترجيح.

المذهب الرابع: وهو مذهب أبي بكر الجصاص، حيث قال: "قد ذكر الله تعالى في كتابه اسْمَهُ وذكر نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -، فأفرد نفسه بالذِّكر ولم يجمع الاسمين تحت كناية واحدة، نحو قوله تعالى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة: ٦٢]، ولم يقل: "ترضوهما"؛ لأَنَّ اسم الله واسم غيره لا يجتمعان في كناية، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب بين يديه رجل فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قم، فبئس خطيب القوم أنت لقوله: "ومن يعصهما".

فإن قيل: فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فجمع اسمه واسم ملائكته في الضمير؟ قيل له: إنما أنكرنا جمعهما في كناية يكون اسماً لهما، نحو الهاء التي هي كناية عن الاسم، فأما الفعل الذي ليس باسم ولا كناية عنه وإنما فيه الضمير فلا يمتنع ذلك فيه". اهـ (٢)

المذهب الخامس: أَنَّ ما جاء في الحديث من النهي يجب إعماله على إطلاقه، فلا يجوز الجمع بين اسم الله تعالى واسم نبيه في ضمير واحد.

وهذا مذهب أبي جعفر النحاس، وأجاب عن الآية: بأَنَّ فيها حذفاً تقديره: "إنَّ الله يصلي، وملائكته يصلون"، فيكون الضمير في قوله: "يصلون"، مختص بالملائكة فقط، ولم يُجِبْ عن بقية الأحاديث الواردة في المسألة، التي جاء فيها استعمال مثل هذا التركيب. (٣)


(١) المحرر الوجيز، لابن عطية (٤/ ٣٩٨)، وانظر: الكتاب نفسه (٣/ ٥٣).
(٢) أحكام القرآن، للجصاص (٣/ ٤٨٥).
(٣) انظر: إعراب القرآن، للنحاس (٣/ ٣٢٣).

<<  <   >  >>