للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مذهب: الخليل (١)، والأخفش الأوسط (٢)، وابن التين.

وهو اختيار: البيهقي (٣)، والسهيلي (٤)، والعيني. (٥)

أما الخليل فيرى أنَّ ما جاء من السَّجَع (٦) على جزأين فإنَّه لا يكون شِعْراً. (٧)

وأما الأخفش فيرى أنَّ الرَّجَز لا يكون شِعْراً؛ لوقوعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى يقول: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ). (٨)

وقال ابن التين: "لا يُطلق على الرَّجَز شِعْراً؛ إنَّما هو كلام مُرَجَّزٌ مُسَجَّع؛ بدليل أنَّه يُقال لصانعه: راجز، ولا يُقال: شاعر، ويُقال: أَنْشَدَ رجزاً، ولا يُقال: أَنْشَدَ شِعْراً". اهـ (٩)

وقد اختلف العروضيون وأهل الأدب في الرَّجَز هل هو من الشِّعْر أم لا؟ مع اتفاق أكثرهم على أنَّ الرَّجَز لا يكون شِعْراً. (١٠)

قال أبو العباس القرطبي: "والصحيح في الرَّجَز أنَّه من الشِّعْر، وإنَّما أخرجه من الشِّعْر من أشكل عليه إنشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه فقال: لو كان شِعْراً لما عَلِمَه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ الله تعالى يقول: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) قال: وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ من أنشد القليل من الشِّعْر، أو قَالَهُ، أو تَمَثَّلَ به على الندور، لم يستحق به اسم الشاعر، ولا يقال فيه إنَّه تعلم الشِّعْر، ولا يُنسب إليه، ولو كان ذلك للزم أن يُقال عن الناس كلهم شعراء، ويعلمون الشِّعْر؛ لأنَّهم لا يَخْلُونَ أنْ يعرفوا كلاماً موزوناً مرتبطاً على أعاريض الشِّعْر". اهـ (١١)


(١) هو: الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، أبو عبد الرحمن، الإمام، صاحب العربية، ومنشئ علم العروض، كان رأساً في لسان العرب، ديناً ورعاً قانعاً متواضعاً كبير الشأن، يقال: إنه دعا الله أن يرزقه علماً لم يسبق إليه ففتح له بالعروض، وذلك أنه مرَّ بالصفارين فأخذه من وقع مطرقة على طست، له كتاب "العين" في اللغة، مات ولم يتمه، ولا هذبه، ولكن العلماء يغرفون من بحره، مات سنة
(١٧٠هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (٧/ ٤٢٩).
(٢) هو: سعيد بن مسعدة البلخي ثم البصري، مولى بني مجاشع، أبو الحسن، الأخفش، إمام النحو، أخذ عن الخليل بن أحمد، ولزم سيبويه حتى برع، له كتب كثيرة في النحو والعروض ومعاني القرآن، مات سنة (٢١١هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٠/ ٢٠٦).
(٣) نقله عنه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (٣/ ١٢٨).
(٤) الروض الأنف، للسهيلي (٤/ ٢١٣).
(٥) عمدة القاري، للعيني (٤/ ١٧٨).
(٦) السجع: هو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد. انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، للقزويني (١/ ٣٦٢).
(٧) انظر: أحكام القرآن، لابن العربي (٤/ ٢٦)، وتفسير القرطبي (١٥/ ٣٦).
(٨) انظر: أحكام القرآن، لابن العربي (٤/ ٢٦)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (١٢/ ١٦٧).
(٩) نقله عنه العيني في "عمدة القاري" (٤/ ١٧٨).
(١٠) انظر: عمدة القاري، للعيني (٤/ ١٧٨).
(١١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٢/ ١٢٣ - ١٢٤).

<<  <   >  >>