للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلك الثاني: الترجيح بين الأحاديث:

حيث ذهب آخرون إلى تضعيف الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية، التي فيها أنَّ المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، وأنَّ الآية لا يصح فيها إلا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

قال ابن العربي: فإن قيل: إن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «نزلت هذه الآية في أهل قباء: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت هذه الآية فيهم». يدل على أنَّ ضمير المتطهرين هو ضمير مسجد قباء.

قلنا: هذا حديث لم يصح، والصحيح هو حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء. وقال آخر: هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هو مسجدي هذا. اهـ (١)

وقال الشوكاني: ولا يخفاك أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عيَّن هذا المسجد الذي أسس على التقوى، وجزم بأنه مسجده - صلى الله عليه وسلم -، كما قدمنا من الأحاديث الصحيحة، فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة ولا جماعة منهم ولا غيرهم، ولا يصح لإيراده في مقابلة ما قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا فائدة في إيراد ما ورد في فضل الصلاة في مسجد قباء؛ فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذي أسس على التقوى، على أنَّ ما ورد في فضائل مسجده - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء بلا شك ولا شبهة تعم. اهـ (٢)

وقال الآلوسي بعد أنْ ذكر المذهب الأول: «ولا يخفى بُعْد هذا الجمع، فإن ظاهر الحديث الذي أخرجه الجماعة عن أبي سعيد الخدري بمراحل عنه، ولهذا اختار بعض المحققين القول الثاني .... ، وأما ما رواه


(١) أحكام القرآن، لابن العربي (٢/ ٥٨٤ - ٥٨٥). بتصرف. ولابن العربي رأي آخر مضاد لهذا القول، حيث يرى أنَّ المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، ويرى تقديم حديث قباء على حديث أبي سعيد؛ لأن الرواة له أكثر. انظر: عارضة الأحوذي، لابن العربي (٢/ ١٠٤) و (١١/ ١٧٧).
(٢) فتح القدير (٢/ ٥٨٩)، بتصرف.

<<  <   >  >>