للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: بيان وجه الإشكال في الحديث]

ظاهر الحديث الوارد في تفسير الآية أَنَّ الله تعالى أنزل إلى الأرض ملَكين، وهما «هاروت» و «ماروت»، وأنهما عصيا الله تعالى، فشربا الخمر، وحكما بالزور، وقتلا النفس المحرمة، وزنيا، وهذا الظاهر مشكل، لما فيه من القدح بعصمة الملائكة (١)

- عليهم السلام - والتي قررها القرآن الكريم في غير ما آية؛ كقوله تعالى: (وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)) [الأنبياء: ١٩ - ٢٠]، وقوله تعالى: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: ٦]. (٢)


(١) أجمع المسلمون على أَنَّ الملائكة معصومون فُضلاً، واتفق أئمة المسلمين على أَنَّ حكم المرسلين منهم حكم النبيين، سواء في العصمة في باب البلاغ عن الله عز وجل، وفي كل شيء ثبتت فيه عصمة الأنبياء فكذلك الملائكة، وأنهم مع الأنبياء في التبليغ إليهم كالأنبياء مع أممهم، ثم اختلفوا في غير المرسلين من الملائكة، فذهبت طائفة من المحققين، وجميع المعتزلة إلى عصمة جميع الملائكة عن جميع الذنوب والمعاصي، واحتجوا على ذلك بوجوه سمعية وعقلية، وذهبت طائفة إلى أَنَّ غير المرسلين من الملائكة غير معصومين، واحتجوا على ذلك بوجوه سمعية وعقلية، منها قصة هاروت وماروت.
قال القاضي عياض: «والصواب عصمة جميعهم، وتنزيه نصابهم الرفيع عن جميع ما يحط من رتبتهم ومنزلتهم عن جليل مقدارهم».
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (٢/ ٣٢٣ - ٣٢٤)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (٢/ ١٠٩)، ومفاتيح الغيب، للرازي (٢/ ١٥٢)، وتفسير الخازن (١/ ٦٦)، وتفسير القرطبي (٢/ ٣٦)، وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (١/ ٢٩٢، ٤٩٨)، والمواقف، للإيجي (٣/ ٤٥٠)، وشرح المقاصد في علم الكلام، للتفتازاني (٢/ ١٩٩).
(٢) انظر حكاية الإشكال في الكتب الآتية: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم
(٢/ ٣٢٣ - ٣٢٤)، وأحكام القرآن، لابن العربي (١/ ٤٦)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (٢/ ١٠٩)، والمحرر الوجيز، لابن عطية (١/ ١٨٧)، وتفسير القرطبي (٢/ ٣٦)، وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (١/ ٤٩٨)، وروح المعاني، للآلوسي (١/ ٤٦٣)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (١/ ٦٤٠).

<<  <   >  >>