للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ظاهرِ حكمِ الإسلام، واستصحاباً لظاهر الحُكم، ولما فيه من إكرامِ ولَدِهِ الذي تحققت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه، ودفع المفسدة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر يصبر على أذى المشركين، ويعفو ويصفح، ثم أُمِرَ بقتال المشركين، فاستمر صفحه وعفوه عمّن يُظهر الإسلام، ولو كان باطنه على خلاف ذلك، لمصلحة الاستئلاف، وعدم التنفير عنه، ولذلك قال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (١)، فلما حصل الفتح، ودخل المشركون في الإسلام، وقل أهل الكفر وذلوا، أُمِرَ بمجاهرة المنافقين، وحملهم على حكمِ مُرِّ الحق، ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين، وغير ذلك مما أمر فيه بمجاهرتهم، وبهذا التقرير يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى». اهـ (٢)

أدلة هذا القول (٣):

الدليل الأول: أنَّ الله تعالى قد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين عن الاستغفار جملة للمشركين، بقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)) [التوبة: ١١٣] فلو كان ابن أبي وغيره من المذكورين ممن تبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كفار - بلا شك - لما استغفر لهم، ولا صلى عليه. ولا يحل لمسلم أنْ يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خالف ربه في ذلك، فصح يقيناً أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم قط أنَّ عبد الله بن أبي والمذكورين كفار في الباطن.

والنهي عن الاستغفار للمشركين نزل بمكة - بلا شك - فصح يقيناً أنه - عليه السلام - لم يوقن أنَّ عبد الله بن أبي مشرك، ولو أيقن أنه مشرك لما صلى عليه أصلاً، ولا استغفر له.

الدليل الثاني: أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عدد مقالات عبد الله بن أبي بن سلول، ولو كان عنده كافراً لصرح بذلك، وقصد إليه، ولم يطول بغيره.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، حديث (٤٩٠٥)، ومسلم في صحيحه، في كتاب البر والصلة، حديث (٢٥٨٤).
(٢) فتح الباري، لابن حجر (٨/ ١٨٧).
(٣) ذكر هذه الأدلة: ابن حزم في المحلى (١٢/ ١٤٠ - ١٤١).

<<  <   >  >>