للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيراد الرابع: أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ» (١)، وفي رواية: «أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ» (٢)، وهذا يدل على تقدم نزول آية النهي عن الاستغفار للمشركين، ومن في حكمهم.

والجواب: أنَّ هاتين الروايتين ذُكِرتا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأما حديث ابن عباس فلفظه: «أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قوله» (٣)، وهذه الرواية هي المحفوظة وهي أولى من رواية ابن عمر.

قال أبو العباس القرطبي: «الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أنَّ البخاري ذكر هذا الحديث من رواية ابن عباس، وساقه سياقة هي أتقن من هذه، وليس فيها هذا اللفظ». ثم ذكر حديث ابن عباس وقال: «وهذا مساق حسن، وترتيب متقن، ليس فيه شيء من الإشكال المتقدم، فهو الأولى». اهـ (٤)

ويحتمل أن يكون عمر - رضي الله عنه - فهم ذلك من قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً)، يؤيد هذا الاحتمال: ما رواه ابن أبي حاتم (٥)، عن عمر - رضي الله عنه - قال: «أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي على عبد الله بن أبي؛ فأخذتُ بثوبه فقلت: والله ما أمرك الله بهذا، لقد قال: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لهم)»، وما رواه ابن مردويه (٦)، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال عمر: أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال: أين؟ قال: استغفر لهم، الآية». (٧)

****


(١) هذه الرواية أخرجها مسلم في صحيحه، في كتاب الفضائل، حديث (٢٤٠٠).
(٢) هذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه، في كتاب اللباس، حديث (٥٧٩٦).
(٣) هذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه، في كتاب الجنائز، حديث (١٣٦٦).
(٤) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٢/ ٦٤٠).
(٥) تفسير ابن أبي حاتم (٦/ ١٨٥٣).
(٦) ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (٨/ ١٨٦).
(٧) انظر: المصدر السابق (٨/ ١٨٦).

<<  <   >  >>