للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو بكر بن الأنباري: «كلام إبراهيم كان صدقاً عند البحث، وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال قولاً يشبه الكذب في الظاهر، وليس بكذب». اهـ (١)

وقال ابن عقيل: «دلالة العقل تصرف ظاهر هذا اللفظ، وذاك أنَّ العقل قطع بأن الرسول ينبغي أنْ يكون موثوقاً به، ليُعلَمَ صِدْقَ ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما استُعيرَ ذِكْرُ الكذب؛ لأنه بصورة الكذب، فسماه كذباً مجازاً، ولا يجوز سوى هذا». اهـ (٢)

وقال ابن القيم: «وسُمّيَ قولُ إبراهيم هذا كذباً؛ لأنها تورية، وقد أشكل على الناس تسميتها كذبة، لكون المتكلم إنما أراد باللفظ المعنى الذي قصده، فكيف يكون كذباً؟ والتحقيق في ذلك: أنها كذب بالنسبة إلى إفهام المخاطب، لا بالنسبة إلى غاية المتكلم، فإن الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلم، ونسبة إلى المخاطب، فلما أراد المُوري أنْ يُفهم المخاطب خلاف ما قصده بلفظه، أطلق الكذب عليه بهذا الاعتبار، وإن كان المتكلم صادقاً باعتبار قصده ومراده». اهـ (٣)

وقال الحافظ ابن حجر: «وأما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة، فلكونه قال قولاً يعتقده السامع كذباً، لكنه إذا حُقِّقَ لم يكن كذباً؛ لأنه من باب المعاريض المحتملة للأمرين، فليس بكذبٍ محض». اهـ (٤)

القول الثاني: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق عليها كذباً؛ لأن الله تعالى قد أعلمه أنَّ إبراهيم - عليه السلام - يُطلق ذلك على نفسه يوم القيامة.


= المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (٣/ ٤٨٢)، والتسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي (٢/ ٢٤)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (١٩/ ١٥٩)، وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود (٦/ ٢١٢)، وتفسير ابن كثير (٤/ ١٥)، وفتح الباري، لابن حجر (٦/ ٤٥١)، وروح المعاني، للآلوسي (١٧/ ٨٦).
(١) نقله عنه ابن الجوزي في «كشف المشكل» (٣/ ٤٨٢).
(٢) نقله عنه ابن الجوزي في «كشف المشكل» (٣/ ٤٨٢).
(٣) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (٦/ ٢١٢).
(٤) فتح الباري، لابن حجر (٦/ ٤٥١).

<<  <   >  >>