للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التمسك بكلمة التوحيد]

الإسلام يقوم على الإخلاص، يقوم على رسالة الأنبياء والرسل "لا إله إلا الله"، والأمة متى عرفت هذه الكلمة وجعلتها نصب عينها؛ فإنها تكون قويةً عزيزةً، مستميتةً من أجل الحق وللحق، ولكن إذا ضعفت صلتها بالله، فأصبحت في غربة عن هذا الأصل العظيم، وفي حيرة عن تحقيق هذا الهدف الجليل الكريم -وهو إخلاص العبودية لله عز وجل- فتح الله عليها أبواب البلاء، وأصبحت مع أعداء الله في كفة واحدة؛ لأنه لا فرق بين المسلم والكافر إلا بتحقيق هذه الكلمة، وهي لا إله إلا الله، وانظر في عصور المسلمين، ودهور المؤمنين، فلن تجد عصراً رفعت فيه راية الإسلام، وعاشت الأمة فيه بعزٍ وكرامةٍ وسلامٍ، إلا وجدتها مؤمنةً حقاً، مخلصةً لربها صدقا، ولن تجد عصراً تفرق فيه شملها، وتبددت جموعها، وخارت قواها إلا وجدتها تستغيث بغير الله، وتستجير بأحد العداة، قد تعلقت بغير الله، من شهواتٍ وشبهاتٍ وملهياتٍ وغير ذلك مما حرم الله عز وجل، فلما نسيت الأمة هذا الأصل العظيم فتح الله عليها أبواب البلاء.

والسعادة، والفلاح، والنجاح، والربح، والصلاح لهذه الأمة والقاعدة التي ينبغي أن تشيد، والأساس الذي ينبغي أن يُبنى، والدعوة التي ينبغي أن يركز عليها، وأن يُدعى إليها، هي تحقيق كلمة التوحيد "لا إله إلا الله".

فمتى كانت الأمة على هذا الأصل العظيم، صافية عقائدها من الشوائب، نقية لربها في النكبات والنوائب، لا تدعو غيره، ولا تستجير بأحدٍ عداه، فأنعم بها من أمة! إذا أصبح المؤمن إن أصابته السراء شكر ربه، واعترف بالجميل لله، لا لأحدٍ سواه، وإن أصابته ضراء نصب وجهه لله، لا لأحدٍ سواه، فكيف يكون حاله؟ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:٣] ومن يتوكل على الله هذا الشرط -الإيمان، التوحيد، العقيدة- والجزاء؛ فهو حسبه، وقائمٌ بأمره، وإذا كفى ربك عبداً فكيف يكون حاله؟ كفى بالله إذا كفى عباده وكفى خلقه، فقد كفى أنبياءه ورسله وكفى خيار عباده الصالحين، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:٥١] تكفل الله لمن حقق الإيمان (رسلنا) أي: رسلنا بالتوحيد، (والذين آمنوا) ما قال: والناس، (والذين آمنوا) أهل العقيدة، أهل الإيمان، ما قال المسلمون، بل قال: الذين آمنوا، أي: الذين حققوا هذه الكلمة وطبقوها؛ فلذلك كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأمة، وفي توجيهها، وفي تسديدها، وفي دلالتها على الخير، تقوم على هذه الكلمة، على "لا إله إلا الله".

كانت شئون المسلمين بينهم وبين الله في العقيدة، كانت شئون المسلمين في السراء، وفي الضراء، في الرفعة، وفي المهانة كلها بهذه الكلمة، فكانت شئونهم بينهم وبين الله عز وجل في "لا إله إلا الله،" لا يمكن للواحد منهم أن يصرف حقاً لله لأحدٍ سواه؛ فكانت أمورهم بينهم وبين الله صالحة.

أما شئونهم بينهم وبين العباد فكانت بهذه الكلمة، بها يأخذون، وبها يعطون، وبها يوالون، وبها يعادون، وبها ينتصرون، وبها يُنصرون.

هذه الكلمة أحبوا بها في الله، وكان إذا لقي الرجل منهم أخاه قال: [تعال بنا نؤمن ساعة]، نؤمن: أي الإيمان العقيدة التوحيد.

وكان كل واحدٍ منهم إذا لقي أخاه، شد من أزره؛ لكي يحقق الإيمان، كما قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] أي: بـ (لا إله إلا الله)، قال بعض العلماء: (الحق هو "لا إله إلا الله") و"َتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" أي: بالصبر على هذا الحق، وهو تحقيق هذه الكلمة، فكانت شئونهم مع الناس بهذه الكلمة.

ولما أصبح ميزانهم هو هذه الكلمة، قربوا الغريب عنهم بالإيمان، وأبعدوا القريب منهم بالكفران، فكان الرجل يعادي أباه، ويعادي أمه، ويعادي أبناءه، ويعادي زوجه وعشيرته، من أجل "لا إله إلا الله"، تهون الدنيا -كلها- بأسرها إذا مسَّت كرامة هذه الكلمة، وكان الميزان للحب والعداء، والبغض والولاء في "لا إله إلا الله"، فكلما وجدت المسلم تدور أشجانه وأحزانه مع هذه الكلمة كلما وجدته منغمساً في نعيم السعادة الأبدية، وإذا كانت هذه الكلمة لا تُسعد صاحبها، فمن هو السعيد؟؟ إنها الكلمة التي عليها قامت السماوات والأرض، وعنها سيكون السؤال، ومن أجلها سيكون السؤال والحساب والعرض، بل من أجلها خلقت الخلائق، ومن أجلها كان الليل والنهار، والشمس والقمر، والأفلاك كلها من أجل "لا إله إلا الله"، فكلما جئنا في أي زمان ننظر إلى مشاكل المسلمين، وهمومهم، وغمومهم، أول ما ينبغي أن يصب عليه حديثنا، وأن تلتفت إليه أنظارنا، وأن يعتني به المصلحون، وأن يركز عليه الدعاة المهتدون الموفقون، تحقيق "لا إله إلا الله".

ثلاث عشرة سنة والقرآن في مكة يدعو إليها، ويحققها، ويغرسها في القلوب؛ حتى إذا تمكنت هذه الكلمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءت معركة بدر وأحد والأحزاب، ومواقف الإسلام والكفر أولاً، غرس الإيمان؛ ولذلك إذا غُرس الإيمان في القلوب، تفجرت ينابيع الحكم، وتبددت دياجير الظلم، ووجدْت صاحبه على ثبات وقوة وإيمان، تجد أهل هذه الكلمة إذا أخلصوا لله عز وجل، نالوا بها عز الدنيا والآخرة، هذه الكلمة تطهر القلوب، وتزكي الأعمال، تجد صاحبها على أكمل ما أنت راءٍ من إسلامٍ وصدق، بالإخلاص، بتوحيد الله وإخلاص العمل لله، قال شيخ الإسلام رحمه الله كلمة نفيسة، قال رحمه الله: (بل إخلاص الدين لله، هو الدين الذي لا يقبل الله سواه).

أي: إذا جئت تعبد الله عز وجل، فاعلم أن أساس العبادة والديانة هو "لا إله إلا الله"، الإخلاص، الخلوص والصفاء والنقاء في القلوب لله جل جلاله.

فإذا كان الإنسان متعلقاً بالله عز وجل، طهر قلبه، ولذلك وصف الله الشرك بالدنس والقذر {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:٣٠] اجتنبوه، أي: ابتعدوا عنه، فهو دنس الحس والمعنى.

كذلك -أيضاً- تزكو بهذه الكلمة أخلاق المؤمنين، ولذلك تجد الإنسان أعف ما يكون عن حدود الله حينما يمتلئ قلبه بالإيمان بالله عز وجل.

والإيمان باليوم الآخر أساس من أساسيات "لا إله إلا الله"، وهو ركن من أركان الإيمان، فإذا امتلأ قلب الإنسان إيماناً بالله واليوم الآخر، هل يسرق؟ هل يزني؟ هل يقتل؟ هل يشرب الخمر؟ أبداً، إذا كان الإنسان يشاهد الآخرة بين عينيه، وجدته أخوف ما يكون لله، وأتقى ما يكون له، ولذلك تزكو به الأعمال، وكلما وجدت الإنسان يخل في شهوة أو شبهة؛ فاعلم أن وراء ذلك إخلالاً بهذه الكلمة، ونقصاً في العبودية لله عز وجل، وإلا لو كمل خوفه من الله، وخشيته لله، وتوحيده له، ما كان منه شيءٌ من ذلك.

فالمقصود: أنه ينبغي العناية بهذا الأصل، وغرسه في القلوب والدلالة عليه، وتحبيبه إلى النفوس، وتقريب القلوب إليه، ولا شك أنها دعوة الرسل (ما بعث الله نبياً ولا رسولاً إلا كانت كلمته الأولى: قولوا لا إله إلا الله) ولذلك إذا وجدت الإنسان يحرص عليه، وجدته أثبت الناس قلباً، وأخلصهم منهجاً، وأصفاهم مشرباً، وأكثرهم صدقاً في العبودية لله سبحانه وتعالى، بسبب العناية بهذا الأصل العظيم.