للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترتيب الأولويات]

الأمر الثاني: نبدأ بالأهم فالأهم، نبدأ بالعقيدة، نصحح عقائد الناس، نقول للكبير والصغير والجليل والحقير: قل لا إله إلا الله، كلمة تحاج لك بين يدي الله، قلها واعمل بمقتضاها؛ ألا معبود بحقٍ سوى الله، توحده رباً فتعلم علم اليقين أنه لم يرزقك ولم يطعمك ولم يكسك أحدٌ سواه، وتوحده إلهاً بالقصد والطلب، فلا تسأل أحداً سواه، فلا تدعو غيره، ولا ترجو سواه، ولا تخاف ولا ترهب ولا تتوكل ولا تستعين، ولا تعبد أحداً سواه سبحانه وتعالى.

وتوحده في أسمائه وصفاته، فلا تسمع أذنك آيةً فيها صفة من صفات الله جل وعلا إلا أثبتها لله، وتقول: آمنا بالله.

كما أخبر الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وتثبت لله ما أثبت لنفسه، فنبدأ بهذا الأساس، نبدأ بالأهم فالمهم.

أما إذا جاءنا شخص وقال: نبدأ بكذا، والثاني يقول: نبدأ بكذا، وهذا بكذا فكلا، نبدأ بدعوة الرسل "الإيمان والتوحيد".

ثم إن صلحت عقائد الناس نبدأ بالأحكام، وبعد الأحكام نبدأ بالأخلاق، ويدل على هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أول ما بدأ في مكة بالتوحيد، وغرس في قلوب الناس الإيمان، ثم بعد ذلك دعا إلى الأحكام، فعندما انتقل صلوات الله وسلامه عليه إلى المدينة بين الله له الحلال والحرام، وفصل له الشرائع والأحكام، ولذلك تجد السور المدنية تتسم بطول آياتها وكثرة أحكامها، أما السور المكية فتتسم بقصر الآيات، والحجج الدامغات للذين كفروا عن سبيل الله فاطر الأرض والسماوات، تجدها شواهد الوحدانية، تنصب السور المكية، كلها قوارع تنزل على الذين كفروا، تبين لهم أنه لا إله إلا الله، وتأخذ بالقلب طوعاً أو كرهاً لكي يقول: "لا إله إلا الله"، فتأخذه تارة لكي ينظر أمامه، وتارة لكي ينظر فوقه وتحته وعن يمينه وشماله، ثم تلتفت حتى على دلائل التوحيد في نفسه وفي جسده {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢١] فكانت آيات القرآن كلها تنصب في بدايته على هذا الأساس.

نوصي جميع إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها أن يبدءوا بهذا الأساس، وإذا جاءت الأمة المهتدية في بلاد الكفر، أو غيرها -حتى من بلاد الإسلام- إذا جاءت عقيدة صافية وفق الله وسدد وأصلح؛ لأن الله يحب المخلصين، ويوفقهم، وهو معهم ينصرهم ويؤيدهم، ويربط على قلوبهم.

والأمر الثاني: بعدما نجد من المسلمين من صفت عقيدته وخلصت من الشوائب -بعد هذا الأصل العظيم- نبدأ ببيان الأحكام، لا يمكن أن نقول للإنسان: صل.

وهو يعبد القبر! ولا يمكن أن نقول للإنسان: صل.

وهو يستغيث بصاحب القبر! ولا يمكن أن نقول للإنسان: صل.

وهو يذبح لزيد أو عمرو! لا بد -أول شيء- أن نبدأ بالعقيدة، فإذا صفيت جاءت الأحكام (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم إلى فقرائهم) ما قال له: وأمرهم بالصلاة ولا الزكاة إلا بعد التوحيد والإيمان.

إذاً هذا سبيل الرسل، هذا هو عين الحكمة والصواب، لا يمكن أن تجلس مع إنسان أو تصلي معه وأنت تعلم أنه يستغيث بغير الله، ويستجير بغير الله، تتبطنه وتواليه، وتحس أنه كالمسلمين تغشه لنفسه أبداً، قل له في وجهه: هذا مسارٌ غير صحيح، أخلص لله أولاً (قل آمنت بالله ثم استقم) أول شيء الأساس فليعتن به، يعتنى به بأمور: عن طريق الدعاة، عن طريق الرسائل، والأشرطة التي تعتني بغرس العقيدة، فإذا وفق الله وخلصت العقائد، جاء التوجيه في الأحكام فنبدأ بالطهارة، ثم بالصلاة، كيف نتوضأ كيف نصلي؟ تعرف المرأة أحكام الحيض، أحكام الغسل من الجنابة، نقرأ فيها ونبحث عن رسائل مفيدة في هذه المسائل.

بعد هذا -بعد الأحكام- ننتقل إلى المعاملات، كيف نبيع؟ كيف نشتري؟ ما الذي أحل الله أن نأخذه؟ ما الذي حرم الله أن نأخذه؟ بعد هذا ننتقل إلى جمال الإسلام وكماله وبهائه في تلك الأخلاق العطرة، والسير الجميلة النضرة، فإذا أردت أن ترى المسلم الجميل الكامل الفاضل، فانظر إلى ذلك المسلم الذي جمع هذه الثلاثة الأمور، وانظر إليه حينما تأتيه الرحمة من الله فيتخلق بأخلاق المؤمنين قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] والإنسان إذا صفت عقيدته وكملت عبادته، واستقامت معاملته ظهرت آثارها على أخلاقه، فتجد أثر ذاك الإيمان الخالص الصافي من الشوائب يظهر في التعامل، وإذا بالرحمة تدخل إلى قلب المؤمن فيبدأ -سبحان الله- يرحم إخوانه المؤمنين، تجد التواضع، وتجد الكلام الطيب، العفة عن أذية المسلمين، تجد المسلم الحق قد سلم المسلمون من يده ولسانه، لا يغتاب، ولا ينم، ولا يفشي الحديث ليوقع الضغينة بين المؤمنين، يحرص على أخلاقه، يرحم من المسلمين ضعافهم، ويستر بإذن الله عوراتهم، ويفرج كرباتهم، الناس همهم الدنيا وهم ذلك العبد الصالح مكروباً يفرج كربته، أو مهموماً ينفس بإذن الله همه، فتجد أخلاق الإسلام تظهر بعد تحقيق هذه الثلاثة الأمور.

هذه الأمور التي هي العقيدة والأحكام، تجد بعدها الآداب، فإذا استقام القلب لله استقامت الجوارح: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله).

فنسأل الله العظيم أن يصلح الأحوال، وأن يوجب لنا ولكم حسن العاقبة والمآل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.