للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصية للآباء والأمهات]

الحمد لله الحليم الغفور {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى:٤٩].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تنفع قائلها يوم البعث والنشور، يوم يُبَعْثَر ما في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:١١] وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا في الحق نِعْم الشموس ونعم البدور، وعلى جميع من سار على نهجهم إلى يوم الهول والبعث والنشور.

أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني في الله: هذه وصيةٌ إلى والدَين؛ إلى أبوَين حليمَين كريمَين.

إلى أبٍ يخاف الله ويتقيه، ويعلم أنه مسئول بين يديه وملاقيه.

وإلى أمٍ تخاف ربها، وترعى صغيرها، وتكرم بعلها.

إلى أم صالحة مصلحة، هادية مهدية، ما أمست ولا أصبحت إلا هدت ودلت وأرشدت! وصيةٌ إلى الوالدَين.

إلى القلبَين الغافلَين النائمَين السادرَين.

إلى من أضاع حقوق الأبناء والبنات، وترك لهم الحبل على الغارب في الملهيات والمغريات.

إلى من ترك القلوب البريئة ترتع في المعاصي والشهوات، فذاقت جحيم المعاصي والمنكرات، ورتعت في الحدود والمحرمات، وبُليت بجحيم المسكرات والمخدرات.

إلى من أضاع حقوقها، ولم يرحم صغيرها، ولم يكرم كبيرها.

إلى من أبكى الصغير، وأهان الكبير.

إلى من حَمَّل الأبناء والبنات العناء، وخلَّفهم وراء ظهره في تضرع واستكانة وبكاء.

إلى من لا يخاف الله ولا يتقيه، ولا يعلم أنه ملاقيه.

إلى تلك القلوب القاسية.

إلى تلك النفوس الظالمة الناسية.

إلى من أضاع حقوق الأبناء والبنات، فتركهم يرتعون في الملهيات والمغريات، وحَمَل بين يدي الله المسئوليات والتبِعات، يوم ينصب للآخرة موازينها، وينشر لها دواوينها، يوم يجادلُ الأمَّ رضيعُها، يوم يجادل الأمَّ جنينُها! وصيةٌ للآباء والأمهات عن حقوق الأبناء والبنات، وهل قامت بيوت المسلمين إلا على رعاية الحقوق والذمة والدين؟! وهل قامت بيوت المسلمين إلا على التنشئة الصالحة التي ترضي الله رب العالمين؟! وصيةٌ بحقوق الأبناء والبنات، قبل أن يَدْهَمَ الممات، وقبل أن يصير العبد إلى الرفات، وقبل أن يحمل بين يدي الله المسئوليات والتبِعات! ألا وإن من أجلِّ الوصايا، وأعظم الحقوق التي تُدفع بها الهموم والغموم والرزايا: أن تعلم أن الله أنْعَمَ وتَفَضَّلَ عليك بالولد وتَكَرَّم، فكان من أحق الحقوق عليك أن تشكره ولا تكفره، وألاَّ تنساه وأن تذكره، وأن تَحْمَدَ نعمة الله ومنته إذ متع عينيك، وجمَّل الولد في ناظرَيك يوم صاحت صيحتُه، يوم رأيتَه بشراً سوياً يدب على وجه الأرض مرضياً.

أيها الأحبة في الله: إن من آكد الحقوق والواجبات وأعظم الأمانات والمسئوليات التي يحملها الآباء، وتحملها الأمهات عن الأبناء والبنات: تنشئتهم على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: لا خير في الأبناء ولا في البنات، ولا خير في الأولاد ولا في الأحفاد إلا إذا أقمتَهم على محبة الله رب العباد، فلن تجني منهم مالاً ولا حالاً، لن تجني منهم إلا صلاحاً يرضي الله عنهم، أقِمْهم على محبة الله ومرضاتهِ، عوِّدهم على العبودية والطاعة، ومرهم بالصلاة والزكاة، ونشِّئهم على خوف الله وتقواه؛ فإن ذلك من أعظم ما تثقَّل به الموازين، وتبيَّض به الصحائف والدواوين.