للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التدرج في طلب العلم على ضوء ما يقرره العلماء]

السؤال

فضيلة الشيخ! ما الكتب التي تنصح الداعية بقراءتها في الأصول والفقه والعقيدة والتفسير؟

الجواب

خير ما يوصف به من أراد أن يتعلم العلم النافع، وأن يهتدي إلى الصراط المستقيم، فليلتزم بكتاب الله، قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩] فالله عز وجل جعل هذا الكتاب هادياً لأقوم السبل، فإذا أردت أن تتعلم فأول ما تسأل عنه: ماذا قال الله، وقال رسوله عليه الصلاة والسلام؟ تبحث عن الأساس، فكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هما السبيل الأقوم والصراط الذي لا نجاة للعبد إلا بهما، وهما الصراط الذي تسأل الله في كل صلاةٍ تصليها بين يديه، وتقف بين يديه حين تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] وليس هناك صراط مستقيم إلا صراط القرآن.

قال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:١٥٣] قالوا: هو كتاب الله جل جلاله، فالذي يريد أن يدرس العقيدة والفقه والحديث ويدرس الأحكام فعليه أن يبدأ أولاً بكتاب الله عز وجل، وإذا بدأ بكتاب الله، فإنه يصيب السداد والرشاد على أتمه وأكمله.

ما ضرنا اليوم إلا الاشتغال بالفروع عن الأصول، وتجد الشخص إذا أراد أن يخطب خطبة أو يحضر موعظة يبحث عن كتب معينة فيها كلمات وأساليب وألفاظ وعظية معينة، وقلَّ أن تجد من تنعم عينه بكتاب الله جل جلاله، ولو أن كل داعية قبل أن يدعو وقف أمام كتاب الله وسأل نفسه قبل أن يتكلم، ماذا قال الله وماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم لكان خيراً له، فإذا جاء يبث للناس بث لهم كلاماً من كتاب الله، حتى وإن لم يأتِ بالآيات أتى بمضمونها وبما فيها من دلائل وحجج: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩] {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:١] فلا أصدق من الله قيلاً: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء:٥٨] فأكمل ما يكون الهدي والاهتداء في الكتب والرسائل والمسائل كتاب الله جل جلاله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يكون الفقيه أو المعلم ملتزماً بكتاب الله، فيأتي إلى الباب وينثر حجج القرآن والسنة ودلائلهما، وما كان عليه سلف الأمة بينة ومحجة واضحة، فإذا وفق الله طالب علم بهذا فإنه سيوفق كما وفق سلفه، وقد كان بعض العلماء يقول: من أراد التوفيق على أتم ما يكون، فلينظر إلى حال السلف رضوان الله عليهم.

السلف لم يتجاوزوا كتاب الله، بل كانوا مع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل منهم إذا أراد أن يتكلم فأول ما يبحث في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يقدموا بين يدي الله ورسوله.

جاءت امرأة إلى الشافعي -رحمه الله برحمته الواسعة- وسألته عن حجية السنة، فقالت: لماذا السنة حجة ودليل؟ قال لها: أنظريني ثلاثة أيام -وهنا وقفة: انظروا إلى أمانة السلف وإلى علمهم، لم يتسرع بالإجابة، بل قال: أنظريني ثلاثة أيام، أتعرفون لماذا ثلاثة أيام؟ لأنه كان -رحمه الله- يختم كتاب الله في ثلاثة أيام، ومعنى قوله: أنظريني ثلاثة أيام، أي: سأعرض ما سألتي عنه على كتاب الله حتى أعلم ماذا يقول الله- ثم في اليوم الثالث -في وقت السحر- كبّر رحمه الله عندما قرأ قوله تعالى: {َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، فجاءت المرأة فأخبرها بالآية التي هي من أقوى الحجج -وإن كان كتاب الله فيه حجج أخرى، لكن: {َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].

وهناك حجج أخرى موجودة {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:٦٣] فـ الشافعي رحمه الله أراد أن يعرض القرآن كاملاً، فوجد أقوى الحجج والآيات وأدمغها في الدلالة على حجية السنة، فأهم ما يتواصى به طلاب العلم -بل الناس جميعاً- الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ففي العقيدة ترجع إلى ما قال الله وما قال رسوله صلى الله عليه وسلم، انظر إلى كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله برحمته الواسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء- تجده مشبعاً بآيات الله وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد عجبت في بعض الأحيان عند بعض المسائل التي يختارها رحمه الله، تكاد المسألة لا تتجاوز ألفاظ الآية، وهذا والله لا شك أنه توفيق، ثم انظروا كيف وضع الله له القبول، وكيف نفع الله به الناس، فكلما كان الإنسان ملتزماً بالكتاب والسنة وكان مهتدياً بهديهما، نفع الله بقوله.

ولا يعني ذلك أن نرجع مباشرة إلى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ونترك العلماء، قال الإمام ابن القيم: نصٌ من كتابٍ وسنةٍ وطبيب ذاك العالم الرباني لا يكفي الكتاب والسنة، بل لابد من دليلٍ وهادٍ يهدي إليهما، ويبين ناسخ القرآن من منسوخه، ويبين حججه ومحجته، وهو العالم العامل.

ليرجع طالب العلم إلى العلماء ويفهم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم عن طريقهم، فالله تعالى يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] اسألوا أهل الذكر، فمن عرف بحب كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولزومهما، فهو العالم الذي تنعم به العيون، وهو العالم الهادي إلى صراط الله، الدال على طريق الله الذي ينتهي بمن اتبعه وسلك سبيله إلى الجنة.

أما الكتب: ففي كل علم مراتب ومتون ذكرها العلماء يتدرج فيها طالب العلم، والأفضل لطالب العلم إذا أراد أن يتعلم أن يأخذ بصغار العلم قبل كباره، فإذا أراد أن يقرأ العقيدة فليرجع إلى شيخه ليختار له الكتاب الذي يقرؤه عليه، ابدأ -مثلاً- بكتاب التوحيد ثم تدرج حتى تصل إلى العقيدة الطحاوية، ويتدرج في المتون في الفقه، فيبدأ -مثلاً- بعمدة الفقه للإمام ابن قدامة، ثم المقنع، ثم الكافي، ثم المغني، ويتوسع بعد ذلك حتى يبلغ درجة الاجتهاد، ويبدأ في أصول الفقه بالورقات، ثم يتوسع بعدها إلى الروضة، ثم المستصفى ثم المطولات، وهكذا في الحديث، يبدأ بما صح من الصحيحين كعمدة الأحكام فيحفظها ويبدأ بالأحاديث الجامعة كالأربعين النووية، ثم بعد ذلك يتوسع بعد عمدة الأحكام وينتقل إلى المحرر، ثم ينتقل إلى بلوغ المرام، ويتوسع بعد ذلك في متون الحديث على حسب ما يقره له علماؤه ومشايخه، والله تعالى أعلم.