للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان سر سعادة القلوب]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه وبالحق أرسله، فأحيا الله به القلوب، وأنار به السبل والدروب، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ما آذنت شمس بغروب.

أما بعد: إخواني في الله! ليس هناك نعمة أعظم من نعمة الإيمان، وليس هناك منة من الله تبارك وتعالى أجل ولا أعظم من منة التوفيق لطاعة الرحمن، الإيمان الذي هو أعظم قضية وأعظم شيء من أجله كان الوجود، الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو الواحد المعبود، من أجله كان الليل والنهار، ومن أجله كان العشي والإبكار، ومن أجله خلقت السماوات والأرض، ومن أجله كان الحساب والسؤال والعرض، الإيمان الذي ما من لحظة من لحظات حياتك، وما من برهة من زمانك إلا وهي مذكرة بهذه القضية العظيمة، ما من حركة في هذا الوجود وما من سكون في هذا الكون إلا وهو يذكرك بالواحد العظيم المحمود، يذكرك بالله الذي لا إله إلا هو المعبود.

قبل ساعات يسيرة كنا في ضياء النهار، وفي هذه اللحظة العجيبة نعيش في هذا الظلام الدامس، وفي هذا الليل البهيم العابس، وهو يذكرك بالله، ويذكرك بأن لا إله إلا الله، هذه السماوات في هذا الليل البهيم قد أشرقت كواكبها واستنارت نجومها لكي تدلك على هذه القضية العظيمة، فبعد ساعات يسيرة إذا بالليل يذكرك بالله، ويؤذنك بأن لا إله إلا الله حتى إذا حان أفوله ودنا ذهابه وزواله فجاء ضياء الفجر وانفجر، وشع ضياء الشمس في الأفق وانتشر، وإذا بدليل جديد يذكر بالعظيم الحميد.

الإيمان الذي كل شيء في هذا الوجود يحققه ويصدقه ويدل عليه، يشهده الإنسان في جميع أحواله وفي جميع أطواره، آيات الزمان وآيات المكان تهديك إلى توحيد العظيم المنان؛ لذلك -أحبتي في الله- ما خلق الله الإنسان إلا من أجل الإيمان، ولا أوجده الله عز وجل إلا من أجله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] ما خلق الإنسان إلا لكي يعمر قلبه بتوحيد الواحد الديان، وأسعد لحظة في الحياة والعمر تلك اللحظة التي يحس فيها العبد أنه مؤمن حقاً بالله عز وجل، إن أسعد لحظة في الحياة إذا مُلئ القلب يقيناً بالله عز وجل، وأصبح الفؤاد يعيش مع الإيمان في كل حركة من حركات الإنسان وسكونه، إنه اليقين بالله والإيمان به.

السعادة والشقاء الفلاح والطلاح الربح والخسارة النجاة والهلاك، فما بين العباد وبين الله قضية أعظم من هذه القضية، ولا بين الله وبين العباد شيء يُتقرب به إلا بعد هذا الأساس العظيم، فأعظم ما يَعتني به المؤمن في هذه الحياة هو تغذية قلبه بالإيمان بالله، فما دخل الإيمان قلباً إلا انشرح لله، ولا دخل الإيمان صدراً إلا اطمأن بذكر الله، وليس هناك ساعة أبهج من تلك الساعة التي عرف فيها العبد ربه، ودنا فيها من خالقه فعمَّر قلبه بتوحيده وذل العبودية له سبحانه وتعالى.

هذا الإيمان الذي هو الباب الوحيد بينك وبين الرحمن، له لذة وأثر في القلوب، هذه اللذة هي حلاوته وطلاوته، ما أصابها مؤمن إلا ذاق حلاوة الالتزام، ولا وجدها مؤمن إلا أصاب محبة الرحمن، إن هذه الحلاوة تحتاج من المؤمن -أولاً- إلى جهاد صادق وسير حثيث في طاعة الله ومرضاته، وكل حلاوة لها لذة عند الإنسان بقدر ذلك الشيء الذي يذوق حلاوته، فإذا كان الشيء الذي تُذَاقُ حلاوته هو أعظم الأشياء وأجلها عند رب الأرض والسماء، فهي الحلاوة التي لا ألذ منها؛ إنها حلاوة الإيمان ولذة الطاعة والعبودية للرحمن، التي تجد الإنسان فيها ومعها إذا أصابته الضراء صبر، وإذا أصابته السراء شكر حلاوة الإيمان التي إذا ذاقها الإنسان نسي كل لذة من معاصي الله إنها حلاوة كانت سبباً في هجران الشهوات وترك الفواحش والمنكرات، والتذلل لله رب الكائنات، فما أعظم سلطان الإيمان على القلوب، وما أجل حلاوة الإيمان في القلوب.