للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرضاء بقضاء الله]

إذا أراد الله أن يسعد العبد رزقه الرضا بقضائه، فوالله لو لبس مرقع الثياب وعاش فقيراً مدقعاً فإن الله يملأ قلبه بالغنى، فإن ابتلي وهو يشكر ربه ويحمده يحس أنه لا أسعد منه حينما رضي عن الله، ولو رأى مصائب الدنيا وأهوالها ونكباتها فإنه سيعلم أن الأمور كلها لله سبحانه وتعالى، فلا يضيق عليه قلب، ولا يسأم ولا يمل، ولا يشتكي الرب إلى الخلق، ولا يشتكي من سقمه ولا من مرضه لعلمه أن الله ابتلاه، فيحب أن يري الله من نفسه ما يحب ويرضى، ويحب أن يسمع الله من لسانه ذكره وشكره والإنابة إليه سبحانه، فمن أمسى وأصبح راضياً عن الله أرضاه الله، وكم من غني ألبسه الله ثوب الغنى والعافية، ومع ذلك تنصب عليه الأموال صباح مساء، ولو سألته عن حاله لقال: إني في همٍ وكربٍ وغم! المال لا يأتي بالسعادة، ولو كان المال يأتي بالسعادة لكان أسعد الناس قارون، كانت مفاتيح خزائنه تنوء بالعصبة القوية عند حملها، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.

المال لا يأتي بالسعادة، وكم من غنيٍ كريم أبكاه ماله فطال بكاؤه! وكم من غنيٍ أشقاه ماله فما نال السعادة بعد شقائه! السعادة لا تكون إلا بالرضا عن الله، والعلم اليقيني أننا ملكٌ لله، فإذا علم العبد أنه لله توسع عليه ضيق الدنيا، وزال همها وغمها، فأبدله الله الفرح والسرور والكرامة، ومن ظن أن السعادة في الأموال فإنه قد أخطأ.

حدثني الوالد رحمه الله: أن رجلاً كان غنياً ثرياً، أنعم الله عليه بالنعمة، ووسع عليه بالرزق، قال رحمه الله: لما اشتد الحال بالناس اشترى صفقةً من الطعام، وكانت صفقةً كبيرة، قال رحمه الله: فدخلت عليه وقد أخبره رجل أن سعر الطعام الذي اشتراه قد ارتفع إلى أضعافٍ كثيرة، فلم يتحمل الفرحة فسقط ميتاً على دفتره، قال: ومضت الأيام، وتبدلت الأحوال، فدخلت على رجلٍ من أهل المدينة في كرائم نعمه وقد اشترى صفقةً من نفس الطعام، قال: والله فأتاه الخبر بأن سعر الطعام قد انخفض، فلم يتحمل الصدمة فسقط ميتاً.

فقال: سبحان الله! عجبت لرجلٍ يموت عند الغلاء فرحاً، ورجلٌ يموت عند الرخص حزناً!! فالسعادة ليست في المال، فوالله كم من غنيٍ ثري يتمنى أنه كالفقير! وكم من غنيٍ ثري أبكته زوجته بسبب المال وأبكاه أولاده وأقاربه بسبب المال! فلم أر السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد ولربما رأيت الرجل فقيراً مدقعاً قليل المال ولكن الله أغناه بالإيمان والرضا، فإذا دخلت عليه قلت له: كيف حالك؟ قال: الحمد لله، في نعمةٍ من الله وفضل.

وكم من قويٍ في البدن قد أنعم الله عليه بالعافية، ومع ذلك سلبه الرضا في قلبه، فإذا سئل عن حاله اشتكى وبكى! وكم من مريضٍ فقيرٍ طريح الفراش قد يكون مشغولاً في مقعده، تسأله: كيف حالك؟ يقول: الحمد لله، لأن الله ملأ قلبه بالرضا! إذا أراد الله أن يسعد العبد أسعده أولاً في نفسه، وظهرت دلائل السعادة بالتوبة والإنابة إلى الله، والبكاء على ما سلف وكان من الذنوب والعصيان، فيسأل الله -دائماً- العفو والغفران، وسيصلح الله من حاله ويبدل من أفعاله ومقاله إلى خيرٍ وبر.

ثم تأتيك السعادة في الهداية والإنابة إلى الله والرجوع إليه سبحانه وتعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلام} [الأنعام:١٢٥].