للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية بر الوالدين بعد موتهما]

السؤال

كيف تكون الصلاة على الوالدين بعد موتهما؟

الجواب

الصلاة تطلق على معنيين: الصلاة التي هي الصلاة على الميت، ومن حق الوالد على ولده أن يشهد جنازته وأن يصلي عليه وأن يدعو له في هذه الصلاة؛ لأن هذا من أقرب الدعاء؛ لأن الشفقة والحنان الذي بينه وبين والديه تدعوه إلى الدعاء بإخلاص وصدق.

أما المعنى الثاني: وهو الذي فسّر به جمعٌ من شراح الحديث: أن الصلاة بمعنى، الدعاء، ومنه قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣] أي: ادع لهم، ولذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (الصلاة عليهم والاستغفار لهم) قيل: من باب عطف الخاص على العام، فالاستغفار نوعٌ من الدعاء، فعطف الاستغفار لفضله وشرفه، فأفضل ما تقول أن تقول: ربِّ اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا.

سبحان الله! كلمة يسيرة، ولربما يكون الوالد أو تكون الوالدة الآن في قبرها وهي أحوج منك إلى دعوة.

البر أصدق ما يكون بعد الموت؛ لأنك لا تحابي ولا تجامل، وبرك من الأمور الكريمة الطيبة التي وجدنا من آثارها الحميدة وعواقبها الحميدة خيراً كثيراً.

إن كثرة الدعاء للوالدين بعد الممات من الأمور الجليلة الكريمة؛ لأنه قد يكون في كربة وفي ضيق من ضيق القبر ينفس الله عنه، بفضله سبحانه ثم بدعائك كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث -وذكر منها- ولد صالح يدعو له) فتذكر لو أنك أنت الميت ما فتر لسان الوالد ولا فتر لسان الوالدة من الدعاء لك، فلا تشغلك الدنيا عن والديك، وما الذي تخسره وأنت جالس تقول: رب اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيراً، وتسأل الله لهما أن يوسع لهما القبر، وأن يهون عليهما السؤال في القبر، وأن يهون عليهما الحساب، واعلم أنك -والله- ما ذكرتهما بدعوةٍ صالحة وهم في القبور وضيقها إلا سخر الله لك من يدعو لك كما دعوت لهما وخاصةً الأم؛ لأن حقها كثير، وفضلها كبير، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك).

كثرة الدعاء للوالدة والترحم عليها بقولك، اللهم اغفر لها اللهم ارحمها اللهم سامحها اللهم اغفر لأبي اللهم ارحمه اللهم تُب عليه اللهم سامحه اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ونحو ذلك من الدعوات الطيبة، والله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولربما تقول: اللهم افسح لأبي في قبره ونور له فيه، فيفسح له في قبره إذا دعوت بهذه الدعوة، أو ربما تسأل الله لوالديك رحمةً في القبر فيستجيب الله لك، فالله الله في كثرة الدعاء للوالدين والاستغفار لهما.

وكذلك الصدقة عنهما مستحبة؛ لأن سعداً رضي الله عنه كما في الحديث الصحيح قال: (يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها -يعني: ماتت ولا أراها لو بقيت إلا أوصت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) فأوصاه أن يتصدق عنها فتصدق سعد رضي الله عنه ببستانٍ كامل عن أمه، رضي الله عنه وأرضاه، وكانت التمرة الواحدة يتغذى منها الرجل يوماً كاملاً، فما بالك ببستانٍ كامل؟!! قدّمه للآخرة ورآه قليلاً يسيراً أمام فضل أمه عليه، وقد كان من أبر الناس بأمه رضي الله عنه وأرضاه.

فعلى الإنسان أن يحرص على الدعاء وألا يغفل عن الوالدة، ونحن كلنا فينا غفلة إلا أن يرحمنا الله برحمته، فيحرص الإنسان على كثرة الدعاء للوالدين وخاصةً بعد الموت، بأن يترحم عليهما، وأن يجعل لهما شيئاً من صدقة، ينظر إلى مكهول أو إلى أيتام ويجعل لهم قسطاً في الشهر، فيأخذ من طعامه ويجعلها صدقة جارية على والديه، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وهذا هو الذي ينفع، والمعروف لا يبلى، والخير لا ينسى، ومن زرع خيراً وجده، ومن التزم بالمعروف أحبه الله.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل.

والله تعالى أعلم.