للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم غيبة صاحب المعاصي]

السؤال

هل يجوز غيبة الذي لا يصلي، أو الذي لا يحافظ على الصلاة؟ وجزاك الله خيراً.

الجواب

بسم الله، الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فتسأل أخي في الله! عن عبد لا يصلي أو لا يحافظ على الصلاة، هل تجوز غيبته؟ الجواب فيه تفصيل: فإن ترتبت مصلحة شرعية على غيبته جازت الغيبة بحدود وبقدر، مثال ذلك: أن تعلم أنه لا يصلي، فتذهب وتنصحه، فلا يصلي.

وتعلم أن له أباً، أو أخاً يستطيع نصحه وتقويمه وإرشاده، فتذهب إلى أبيه وتقول له: إن ابنك لا يصلي، أو إلى أخيه وتقول: إن أخاك لا يصلي، فهذا جائز ولا حرج فيه، ولكن لا يجوز لك أن تزيد عن الحاجة، فإذا كان لا يصلي فلا تأت فتقول: إن أخاك لا خير فيه وهو ساقط وكذا، بدليل أنه لا يصلي، بل تقتصر فقط على ذنبه، وتقول: إن أخاك لا يصلي، إن ابنك لا يصلي، فما أبيح للضرورة يقدَّر بقدرها.

أما الحالة الثانية: أن يكون المقصود من السؤال غيبة من لا يصلي بغير مصلحة شرعية، ومثال ذلك: أن تجلس في المجلس، وتقول: يا جماعة! فلان لا يصلي.

وليس هناك مصلحة إلا أن تؤذي هذا الرجل بقولك فيه أنه لا يصلي، فهذا لا مصلحة فيه، إلا إذا كان تشهيره بين الناس يردعه ويزجره فيجوز، ويدل على ذلك حديث معاوية بن الحيدة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا ترعوون؟ ألا ترعوون؟ اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس) يعني: عند الحاجة ولحاجة التحذير.

وينبغي إذا أتيت لتحذر أن يفهم من كلامك وأسلوبك أنك تقصد فقط التحذير من هذا الشيء المعين دون زيادة، فإن السلف رحمهم الله والعلماء يحذرون في مثل هذه الأمور، فإن بعض الناس قد تبلغ به كراهيته لفعل ما فيحقد على صاحبه، ولا يفرق بين التوجيه والإرشاد وبين الحقد والغل، وقد نبه على هذا الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين وقال: إن كثيراً من الناس لا يفرقون في هذا حتى تصل العداوة إلى حقد شخصي، ولذلك قيل لـ أبي ذر لما رأى العاصي: أتبغضه؟ قال: لا، إنما أبغض عمله.

هذا له حق الإسلام، وله حق في الدين لا تصل إلى أنك تشفي غلك النفسي، وتحمل عداوة الدين إلى عداوة شخصية، حتى إن البعض إذا رأى أخاه على زلةٍ قد يكره توبته -والعياذ بالله- حتى يبقى يشهر به -والعياذ بالله- فإذا بلغ الإنسان هذا المبلغ فليعلم أن عداوته ليست لله، وإنما هي لحظوظ النفس والعياذ بالله.

فالمقصود أن توجيه الناس وإرشادهم مطلوب، وينبغي أن يكون بالأسلوب الذي يعينهم على القرب من الله لا النفرة من طاعة الله، فبعض العصاة إذا شهَّرت به أمام الناس، ثبت على معصيته، فهذا لا يشهر به؛ لأن المفسدة أعظم من المصلحة، والتشهير إنما جاز للحاجة، وبعض الناس إذا شهرت به ارتدع، وإذا بينت لجماعته وقرابته أنه على خطأ، زجروه وأخذوا على يده وقمعوه، فمثل هذا لا تشهر به إلا بعد أن تنصحه وتحذره، وتقول له: إذا لم تستقم فسأخبر عنك إخوانك حتى يزجروك.

هذه كلها حقوق للمسلم، فإن للمسلم حقاً على أخيه، وينبغي أن يهيئ للناس، ويعينهم على طاعة الله وقبول النصح والتوجيه والله تعالى أعلم.