للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإحساس بعظمة الدين هو نقطة الانطلاقة في التبليغ]

السؤال

الحقيقة الأسئلة كثيرة، والقضايا التي نريد علاجها كثيرة، الدعوة إلى الله عز وجل ليست محصورة في شكل معين ولا نمط من الأنماط ولا في جهد أو نشاط لا يتغير، ولكن يظل الداعية الناجح بحاجة إلى أن يتقن فن الكلام وفن مخاطبة الناس، وإلقاء الكلمات والمواعظ، فهذا مما لا يقدر عليه كل أحد، ولا نقصد بهذا أن يتصدر طلبة العلم المجالس وأن يتصدروا الإفتاء، وغير هذا مما لا ينبغي لهم أدباً مع العلم وعرفاناً بقدر أنفسهم، ولكن كل واحد منّا يحتاج إلى أن يكلم أهل حيّه أو أن يعظ في مسجده أو أن يبلغ جيرانه، أو أن يحدث من في مجلسه بكلمة فيها خير، أو بما يفتح الله سبحانه وتعالى عليه لعلّ الله عز وجل يهدي بكلمته وينفع، وكذلك في الحقيقة يشتكي بعض الإخوة الذين قد يقرءون في بعض الدروس وبعض الكتب ويرون أنهم يستوعبون الموضوع استيعاباً كاملاً ويفهمونه، ولكنهم إذا ما أرادوا تقديمه وإفادة الناس به وجدوا في ذلك صعوبة كبيرة، فما هو توجيهكم لعلاج هذه القضية؟

الجواب

فنّ الكلام ليس فيه مشكلة، يعني: الكلام بسيط وسهل، لكن القضية ترجع إلى الكلام الصادق، الشاب الذي يعلم أن الدعوة إلى الله أمانة ومسئولية، سيقوم والله لو كان أمام الأمة كلها، لكن البلاء جاءنا من ضعف الإيمان، يقول الشاب: أنا لماذا أقف؟ قد أخطئ في النحو أو في الصرف فيضحك عليَّ الناس، أصبحت القضية قضية شخصية، -سبحان الله! - {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] يا إخواننا! الأمر كله في القلب، فإذا أردت أن تهدي الأمة ستقوم، لا تقل: أنا لا أعرف كيف أتكلم وكيف أقوم في طلاب علم أعظهم، هذا نراه، يقوم عامي في المسجد يصيح والمسجد مليء بطلاب العلم، فيه من هو أحق بالكلام منه، لكن سبحان من أحيا قلب هذا العامي حتى يذكر بالله وأمات قلب غيره، القضية ترجع إلى القلب، والأمر محكه في القلب، إن جاء الداعية وجلس في المجلس وقال: والله أمتي بحاجة إلى الدعوة أنا أتكفل لكم بكلمة في المسجد، يذهب إلى البيت يدرس الموضوع يأتيه الشيطان من كل حدب وصوب جارك فلان يعرفك عندما كنت ضالاً، وجارك الثاني يضحك منك، وجارك فلان كثير الكلام في المجالس، أراك إذا قمت تتكلم سيضحك منك فلان وعلان، حتى يقتل الإيمان الذي في قلبك، ولا يزال يقل منسوب الإيمان عندك حتى يصل إلى الحضيض، فإذا وصل إلى الحضيض أسلمه الشيطان إلى الخلاصة، وهي: لا تتكلم، فيقول: سمعاً وطاعة لا أتكلم، فيأتي في المجلس يقولون له: قم تكلم، يقول: والله أنا لست بأهل، فيجعلها قضية ورع، لا، القضية قضية أن الإنسان يبذل ما عنده، يا أخي! قم وقل لهم: يا إخوة احرصوا على الصلاة، احرصوا على الزكاة، احرصوا على الخير، لا تسهروا في معصية الله يعني أمور واضحة لا تحتاج المسألة إلى كثير علم، قم فلعل الكلمة هذه تلامس قلباً يحييه الله عز وجل إلى لقائه.

فأنا أقول: محك القضية ليس في الكلام، محك القضية في محور الكلام، ما الذي يحرك اللسان؟ القلب.

إن كنت تريد أن تقوم لله وفي الله، والله سوف تقوم، وستتكلم بكل ورع وصدق، وإن كانت القضية أن الإنسان يريد أن يقول: أنا طالب علم الآن، قد أصير أضحوكة إذا تكلمت، دعني قليلاً حتى أتعلم وأحسن العبارات الطيبة، ويشهدون بأني عالم وأني أحسن الكلام، انتبه فهذا هو الرياء بعينه -نسأل الله السلامة والعافية- يقول عليه الصلاة والسلام: (من راءى راءى الله به، ومن سمّع سمّع الله به).

أمور الدين يجب أن تكون لله وفي الله، تأمل أنك عندما تقول: لا إله إلا الله، كم أذن ستسمعك من الجن والإنس؟ حتى لو سمعتك أذن واحدة، أي خير سيكون لك.

مرة من المرات شاء الله أني جلست مع والدي رحمة الله عليه في الحرم، أريد أن أقرأ عليه، وشاء الله بعد صلاة الفجر أن خرج كثير من الناس لا أدري لماذا، بقيت أنا والوالد في الحرم النبوي، أنا أقرأ والوالد يفسر، والله ما قطع درسه ولا امتنع من الدرس، فقلت: لا يوجد أحد!! فقال لي: اقرأ فقط، سواءً كان هناك أناس أم لا.

فالإنسان الذي يعامل الله ما عليه، حتى لو كانت أذن واحدة تصغي له، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب ولما جاءت العير انصرف الناس إلى التجارة، وتركوه قائماً صلوات الله وسلامه عليه، فما قطع خطبته، ولا قال: أين الناس؟ لأن الخطبة ليست للناس، وإنما هي لرب الناس.

فأنا أقول: إذا كان الشخص يريد أن يقف في مسجد حيه، أو مع إخوانه، أو في مجلس يذكر بالله عز وجل، إن كان لله فسيتكلم، والله أشهد لله ما تقوم لله في مجلس وتنصح لله إلا وفقك الله في مجلس بعده إذا أخلصت، وما توفق في محاضرة في جلسة إلا وفقك الله لخير منها إذا صدقت، فلذلك يحتسب طالب العلم.

أنا أقول: إذا كانت القضية قضية كلام، الكلام سهل، لكن المهم والمحور والأساس القلب، وأنا أقول: كل شخص يحس بقيمة هذا الدين الذي هو الأساس والمنطلق، إذا أحسست بقيمة هذا الدين بإذن الله ستنطلق.

وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا وإياكم للقول السديد والعمل الصالح الرشيد، إنه على كل شيءٍ شهيد.