للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع من وضع نفسه في زمرة العلماء]

السؤال

جزاك الله خيراً، والشيء بالشيء يذكر، فبمناسبة حديث فضيلتكم على هذا الموضوع، عُرِض هنا سؤال يقول صاحبه: فضيلة الشيخ محمد سلمه الله، ظهرت ظاهرة في بعض طلبة العلم وهم قلة والحمد لله، يقول: تجده يرفع من قدر نفسه ويضعها في طبقة العلماء وفي منزلتهم، فتجده يقول: أرى أنا كذا، وانقلوا عني كذا، وإذا كتب يكتب ويقول: قال مقيد حروفه كذا، ويقول نجد البعض من هذا الصنف -يشكك في العلماء- فهذا فيه كذا، وهذا ينتمي إلى كذا من غير حجة من كتاب ولا سنة، ثم نجدهم يتركون الجلوس إلى العلماء والتعلم منهم، ويجلسون إلى أحدهم ومن زمرتهم يأخذون منه العلم، فما هو توجيهكم ونصيحتكم -أثابكم الله- لهؤلاء؟ وما هي نصيحتكم لغيرهم من طلبة العلم؟

الجواب

أولاً: إذا كان المراد من هذا السؤال طائفة معينة أو أمة معينة، فأقول للسائل: اتق الله عز وجل، وينبغي أن لا تستغل مجالس العلماء لأي طرف من الأطراف، هذا أول شيء، لأن المراد الحق، والمراد النصيحة لله، الخالصة لوجه الله، هذا أول شيء، وكلنا ناقصون وعندنا أخطاء وكلنا عندنا تقصير، ولكن نسأل الله أن يكمل نقصنا ونقصكم.

ثانياً: سوء الأدب وعدم احترام العلماء، وعدم تقدير العلماء، هذا لا شك أعظم سبب فيه: عدم الإخلاص في طلب العلم، والله لو أخلص طالب العلم لبارك الله له في علمه، ولنفعه الله ونفع به.

ثالثاً: الاجتماع والقراءة والعلم ينبغي أن لا تكون إلا بين يدي أهل لذلك، والله لن تخطو خطوة إلى إنسان تعلم أنه جاهل تريد أن تكثر سواده إلا لقيت الله بوزره؛ لأنك أنت السبب، فقد غررته بنفسه.

فلذلك يا إخوان! أوصيكم بأن نتق الله في العلم، وأن لا نكثر سواد كل من هب ودب، ينبغي أن نفرق بين العلماء وبين المتعلمين الذين يريدون أن يتسلقوا إلى أمر ليسوا هم له بأهل، هذا أمر مهم جداً، ولذلك قال العلماء: لو أن شخصاً جلس مع جاهل فسأله وهو يعلم أنه غير أهل، سأله مجاملة، سأله لأجل عاطفة، بينه وبينه محبة، فأفتى بغير علم كان شريكه في الإثم والعياذ بالله، الدين ليس فيه مجاملة، الدين قيم، حجة واضحة ناصعة تؤخذ من أهلها.

رابعاً: قول القائل: الذي أراه، أو الذي يترجح في نظري، أو نحن نقول كذا وكذا، أو ينقل عني كذا وكذا، أقول: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، كلنا ناقصون، ووالله ثم والله لولا خوف الإثم ما جلست في هذا المجلس؛ لأن المقام أمام الناس أولاً يستلزم منك أن تكون أميناً، لا تغش الناس من نفسك، تدعي أنك بعالم وأنت ما أنت عالم، حرام عليك، هذه خيانة للمسلمين، وأذية لعباد الله المؤمنين، فكيف إذا كان معها انتقاص للعلماء، كقول البعض: فلان لا تجلس معه، وهنا أنبه على مسألة؛ نحن كنا قبل الصلاة، نتكلم على القذف، فيا إخوان! كنت أعجب إذا كان الشخص يقول للشخص: يا زانٍ والعياذ بالله أو يقول للمرأة: يا زانية، فإنه يُلعن في الدنيا والآخرة، وموعود بعذاب عظيم، كيف إذا طعن في عقيدته؟! تصوروا يا إخوان! كيف إذا قيل: فلان فيه نظر، عقيدته فيها كذا، وفلان ضال، وفلان صوفي، وفلان مبتدع، يا أخي! قل: فلان صوفي أو قل مبتدع لكن عن بينة، نحن لا نريد عدم الكلام، ما نريده التبين، أما الطعن في الناس وتفسير كلام الناس وتحميله ما لا يحتمل هذا وزر وبهتان، أنا لا أمنعك أن تقول: فلان صوفي أو مبتدع لكن بدليل، أما تأتي إلى كلامه وتفسر كلامه على حسب فهمك، وتحمل الكلام ما لا يحتمل، وتتبع عورة إنسان من المسلمين، فضلاً عن إنسان من علماء الدين، ويحك هلكت وأهلكت نفسك وأقمتها في مقام أنت في غنى عنه.

ثم أخي في الله! إذا كان الشخص انتقد داعية أو عالماً -لو كان هدفنا الحق- لماذا لا يأخذ كلام العالم ويذهب به إلى من هو أعلم منه، ويقول: أنا أشكل علي هذا الكلام، أو يذهب به إلى صاحب الكلام، ويقول له: أشكل علي هذا الكلام، ما مرادك به؟ شيخ الإسلام رحمة الله عليه قارع أهل البدع وأهل الأهواء، وسبحان الله العظيم! يأتي إلى كلامهم ويقول: قال منهم فلان كذا وكذا، فإن كان مراده -انظروا إلى الإنصاف، انظروا إلى الأمانة، انظروا إلى العلم، انظروا إلى التجرد لله، إنسان يريد النصيحة- فإن كان مراده كذا وكذا فهو حق، قال الله قال رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان مراده كذا وكذا فهو باطل، قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا العلم، النقيصة والثلب لا تجوز إلا عند الحاجة، والتنفير من المحاضرات، والتنفير من الندوات، والتنفير من مجالس العلماء، هذا شأن أهل البدع، وشأن أهل الأهواء والضلالات.

يا أخي في الله! إذا جاءك إنسان وقال لك: لا تجلس مع فلان -وهو من أهل العلم- انظر ما الذي تستفيده من هذا الرجل وما الذي تأخذه، سبحان الله! شخص يأخذ بحجزك عن النار ويقودك إلى رحمة الحليم الغفار، ويأتيك إنسان حثالة يريد أن يجرك عن داعية إلى الله، أو مذكر بالله عز وجل وينفرك عن مجالس العلماء، لا حول ولا قوة إلا بالله! نسأل الله السلامة والعافية.

إذا كان لك مأخذ على عالم، قل: فلان قال كذا وكذا، وهذا هو مأخذي عليه، كن دقيقاً ورعاً، كن إنساناً يراقب الله عز وجل، هذا الذي أوصي به.

فوالله ثم والله ما من إنسان يتكلم بحق أو باطل إلا سيقف بين يدي الله بذلك الحق أو الباطل، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف:١٩]، الشائعات ما تكفي، الدعايات التي تقع بين الناس ما تكفي، والله نعرف أناساً من أهل العلم والفضل والدعوة إلى الله من خيرة الأخيار اتهموا بأشياء نعلم يقيناً أنهم منها برآء، وأنهم أنصح للأمة ممن اتهم، وأنهم أصدق في عبودية الله عز وجل، ولكن هناك أناس أتباع كل زاعق وناعق.

فالله الله أن تلقى الله عز وجل بوزر ولي من أولياء الله، خاصة عالماً أو داعية إلى الله عز وجل، وأنا لا أقصد شخصاً بعينه، هذا كلام للعامة وللجميع؛ لأن هدفنا أن يتقي الله عز وجل بعضنا مع بعض.

كل الذي نريده أن تأتلف القلوب وتجتمع، كل الذي نريده أن يكون المسلم مع أخيه يشد من أزره، ويعينه على طاعة الله، ويكمل نقصه بالنصيحة الطيبة وبالموعظة الحسنة، والله أعرف طلاب علم طالما تكلموا في علماء، وطالما تكلموا في أهل الفضل، أذكر بعضهم جلست معه، كلمات يسيرة -وأعرف كثيراً منهم عندهم حسن نية ولا نزكيهم على الله- ما إن ذُكر بالله عز وجل حتى ذهب في اليوم الثاني يعتذر إليهم واحداً واحداً.

أذكر ذات مرة وفي عهد قريب شاباً جاء وتكلم كلمة قال: يقولون في العالم الفلاني كذا، قلت له: يا أخي! اتق الله اغتبت أولاً، ونقلت فرية، أنا أعرف هذا العالم أنه بريء من هذا الشيء، والله يا إخوان! دمعت عينه، ما استطاع من الخير الذي فيه أن يرد عليَّ، قال: ماذا أصنع؟ قلت: يا أخي! الآن تتصل عليه وتعتذر منه.

نحن هذا الذي نريد، نريد شباباً دعاة ومشايخ، إذا جاءك طالب العلم يريد أن ينتقص أحداً من أهل العلم فذكره بالله، أذكر والدي رحمة الله عليه فقد كان لا يستطيع أحد أن ينتقص أحداً في مجلسه ولو كان من عامة الناس، والويل له لو انتقصه، فكيف بطلاب العلم؟!! ينبغي أن نكون على هذا السمت، وهذا فيه الخير كله.

يا إخوان! الدلالة على العورات وفتح باب الإشاعات والسيئات وتتبع العورات لا خير فيه، ولذلك أنا أوصيك بوصية: جرب يوماً من الأيام تتبع عثرات أحد من الناس، وانظر إلى صلاتك في ذلك اليوم، وانظر إلى عبادتك لربك، الحق واضح ليس فيه لبس.

أذكر رجلاً جاءني في خضم فتن فيها قال وقيل، قلت له: يا أخي! أسألك بالله قبل أن أجيبك، بالله عليك، كيف تقول بالأمس جلست في مجلس كذا وكان فيه كذا؟ قال: نعم، قلت: متى كان المجلس؟ قال: بعد الظهر، قلت: صليت العصر؟ قال: نعم، والمغرب والعشاء والفجر، قلت: بالله عليك، كيف كانت صلاتك؟ قال: والله ما خشعت فيها، من ألم ما سمعت، معنى ذلك ماذا؟ أن هذه فتن، والله هذا يقع؛ لأن المؤمن لا يرضى أن أحداً يتكلم في أخيه فضلاً عن عالم أو داعية لله عز وجل.

فالله الله يا إخوان! والله كثرت النصيحة، وكلنا سنلقى الله جميعاً؛ من رغب في الكلام ومن نهى عنه، وإني والله لكم من الناصحين، وأول من أنصح نفسي اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في إخوانكم، واتقوا الله في العلماء.

ولذلك كان سفيان الثوري يقول: (إياكم إذا سمعتم بالزلة والخطيئة أن تشيعوها، فإن إشاعتها ثلمة في الإسلام).

فأنت عندما تشيع بين الناس وتقول: وقع زنا، أو وقع خمر، أو وقع كذا وكذا، فهذه ثلمة، ويقول معاذ: (إنكم تسمعون عن العالم الفلتة فلا تعجلوا عليه عله أن يراجع نفسه فيرجع عنها).

ولذلك الذي ضرنا الآن: أنه بمجرد ما يخطئ إنسان خطيئة واحدة تبلغ الآفاق، وإذا بلغت الآفاق وضعنا كل الحواجز لرجعة هذا الإنسان عن زلته.

فلذلك الله الله يا إخوان! إذا كنا نريد الحق، فسبيل الحق واضح، فما الذي يعنيني من الكلام في زيد وعمرو، الله عز وجل يقول: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:٣٣]، إلا في حالة.

والخطأ، قل: الخطأ الفلاني لا نريده، أما زيد وعمرو وكثرة القيل والقال، أنا أنصح الجميع، ولا أريد شخصاً بعينه ولا جماعة بعينها ولا طائفة بعينها، الكلام للجميع؛ لأنه كلام الله وكلام رسوله، أنصح كل طالب علم أن يتقي الله، وليتق الله كل إنسان من عامة المسلمين فضلاً عن طلاب العلم، ونسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجيرنا وإياكم من ذلك.

أذكر قصة أختم بها هذه النصيحة: رجل أعرفه من أهل العلم والفضل يقول: جلست مع أحد العلماء، فذكر لي أن شخصاً في مجلسه نال من قاضٍ من القضاة واتهمه بالرشوة في القضاء، فلما انتهى قال له ذلك العالم الموفق: والله إني لأعلم الشيخ الذي تكلمت فيه، وأنه أبرأ مما تقول إن شاء الله، ولكن لا آمن والله عليك سوء الخاتمة، فيقسم لي بالله العظيم، يقول هذا الرجل: والله رأيته بعيني في سوء خاتمته -نسأل الله السلامة- كانت من أسوأ ما تكون.

فالله الله لينتبه الإنسان، فلا تحسب أن الأمور ذاهبة هكذا هدراً، فلذلك يا إخوان! أوصيكم ونفسي بتق