للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية الأولى: تقوى الله]

هذه الوصايا الثلاث تزيد جمال المؤمن وكماله وبهاءه وزينته عند الله، استفتحها نبي الله صلى الله عليه وسلم بالوصية الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه: (اتق الله).

التقوى وصية الله للأولين والآخرين ووصيته للأنبياء والمرسلين.

التقوى: أن تعبد الله على نور من الله، ترجو ثواب الله وتخشى عقابه.

التقوى ألا يراك الله حيث يحب أن يفقدك، ولا يفقدك حيث يحب أن يراك.

التقوى نور في القلوب، ظهرت آثاره على الجوارح والقوالب، نور أسكنه الله في قلوب المؤمنين، فلا يعلم قدره أحد سواه، فالله أعلم بالمتقين والخائفين، وبالصادقين المخلصين.

التقوى صفات أهل الإيمان، وخلال أهل الطاعة والإحسان، وَقَرت في القلوب والجنان.

التقوى سبب الصلاح ومنبع الفلاح والإصلاح، أهلها الرابحون لا أشقياء ولا محرومون.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل لنا ولكم منها أوفر حظ ونصيب.

تقوى الله أن تتقي الله -أول ما تتقيه- في إيمانك، أن تتقي الله في التزامك وهدايتك.

تقوى الله أن تلتزم بدين الله وطاعته حتى إذا جاءتك المنية جاءتك على الخيرات والباقيات الصالحات، أن تتقي الله في التزامك وهدايتك وإيمانك، فتنصب وجهك لله لا لشيءٍ سواه، حتى إذا جاءك الأجل جاءك على الخيرات والباقيات الصالحات، فما زالت التقوى بأهلها حتى أخرجتهم بالروح والريحان والرحمة والرضوان ورب راض عنهم غير غضبان.

التقوى تمسكٌ بحبل الله المتين، وسير على صراطه المستبين، حتى إذا جاءك الموت نعمت عينك عن ربك، ورأيت أمامك صحائف الأعمال والأقوال فقلت: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، وقلت بلسان الحال والمقال: اللهم إني راضٍ عنك فارض عني.

يخرج التقي من الدنيا نقياً، خالياً من المعاصي سرياً، تحجر قلبه عند حدود الله، وتحفظت جوارحه عن محارم الله، فالله أعلم كم رجفت قلوب المتقين من هيبته، والله أعلم كم خافت قلوب المتقين من جلاله وخشيته.

التقوى نور في القلوب وأثره في الجوارح والقوالب كما قال صلى الله عليه وسلم: (التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره وقلبه صلى الله عليه وسلم) قال بعض العلماء: اختار الله للتقوى أجلَّ الأماكن وأشرفها وهو القلب؛ حتى يكون العبد مخلصاً لوجهه جل جلاله.

وأول ما ينبغي على المتقي أن يتقي الله في دينه وإيمانه، فلا يضحي بشيء من هذا الدين والإيمان، إذا التزمت واستقمت وآمنت تمسكت بحبل الله، واتقيت الله في نوره الذي قذفه في قلبك.

هذا الإيمان والالتزام والهداية نور وضعه الله في قلبك وحرمه سواك، فاحمد الله على نعمته، واشكره على فضله ومنه وكرمه، لم يجعلك ساجداً لحجر، ولا معظماً لوثن ولا بقر، ولكن جعلك ساجداً لوجهه، ذلت له رقابنا، وخشعت له قلوبنا، وسجدت له جباهنا، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي، فكل يوم يمر على المهتدين حق عليهم أن يتقوا الله رب العالمين في التزامهم، ومن دلائل تقوى الملتزم لله أنه تثبت قدمه على طاعة الله جل جلاله، هذه الهداية رحمة فازدد منها حتى تكون من المهتدين، تزداد بعلم نافع وعمل صالح، تزداد منها بغشيان حلق الذكر وبمجالسة العلماء والصلحاء، تزداد منها بعشرة الأخيار والأبرار، تزاد منها بكلمة ترضي الله عنك أو خصلة من خصال الخير في يدك أو رجلك أو في جوارحك كلها.

تقوى الله رحمة من الله، ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يهبه هذه الرحمة، وهذه الرحمة لا تنال بالأماني ولا بالشهوات والدعوات، ولكن بالدعاء الصادق لله جل جلاله أن يجعلك من المتقين، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم إني أسألك الهدى والتُقى) اللهم يا رب الأرباب! ويا سامع الدعاء! ويا واهب الخير وكاشف البلاء! أسألك أن تهب لي الهدى والتُقى، فاسأل الله أن يهبك هذا النور، سله في السجود وأدبار المكتوبات والأسحار والأذان والإقامة، وتحين حالة يخشع فيها قلبك، وتسأل فيها حاجة إلا قرنتها بتقوى الله جل جلاله، إن اتقيت الله أحبك، والله يحب المتقين، إن اتقيت الله فرج كربك، والله يفرج كرب المكروبين: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:٤] ومن يتق الله يجعل له من كل هم فرجاً؛ ومن كل ضيق مخرجاً، ويجعل له نوراً وفرقاناً يسير به إلى لقائه سبحانه وتعالى: (اتق الله حيث ما كنت) التقوى لا تكون في بيوت الله وحدها حتى إذا خرج الإنسان إلى تجارته أو مسكنه أو عمارته أو مزرعته كشَّر عن أنيابه لدنياه، وغفل عن لقاء ربه وأخراه، ولكنها لزمت القلوب وتعلقت بها حيثما كان الإنسان، إن سافر كان من المتقين، وإن أقام كان من المتقين، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في السفر: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى) تقوى الله في كل زمان ومكان، وتقوى الله في الأقوال والأحوال، فإذا رضيت فاتق الله واشكره، وإذا أنعم عليك فاتق الله وتشكره، وإذا قرت عينك اتقيت الله وحمدته، فإن الله يرضى عن العبد إذا أكل الأكلة أن يحمده عليها وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها، تقوى الله تكون في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وبين الناس وفي أهلك وولدك.