للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحياة كنز فاغتنمها]

إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي جمعنا بكم في بيتٍ من بيوت الله بعد هذه الفريضة من فرائض الله، اللهم لك الحمد كالذي نقول، ولك الحمد خيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول.

أيها الأحبة في الله: إن الحياة مهما مضت أيامها وانقضت سنينها وأعوامها فإنه لا بد لأصحابها من نهاية، لابد للإنسان أن يقف تلك الساعة الأخيرة من هذه الدنيا لكي يلقي عليها آخر النظرات على الأبناء والبنات، وعلى الإخوان والأخوات، لكي يتفطر قلبه على فراق ما هناك من الأحبة، ولقد كتب الله عز وجل على كل صغير وكبير وجليل وحقير أنه صائر إلى الله العظيم الكبير، فقال الله تعالى في كتابه ينعى للعباد أنفسهم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:٣٥] فلا بد لهذه الحياة من هذه النهاية المحتومة، ولا بد لهذه الحياة من هذه الغاية المكتوبة.

ولكن ما إن يقف الإنسان عند هذه النهاية حتى يتفطر قلبه حزناً وألماً على الناس، وعلى الأحبة والأقربين، ولكن هناك حزن ليس هناك حزن أعظم منه، وهناك ألم ليس هناك ألم أشد منه، حينما يبكي على ساعات ليله ونهاره، حينما يحس من قرارة قلبه أن الحياة انتهت، وأن المهلة قد انقضت، وأنه قد صار إلى الله جل وعلا، لذلك ما إن ينتهي الإنسان من هذه الدنيا إلا وقلبه في حزن وهم وغم على ما فرط في جنب الله، يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصالِحِينَ} [المنافقون:١٠].

لذلك -أيها الأحبة في الله- حقيق بكل مؤمن بالله أن يعرف قيمة هذه الحياة، وأن يعلم أن الله تبارك وتعالى لم ينعم عليه بهذه الساعات واللحظات عبثاً، ولم يمتعه بهذا الوجود سدى، ما خلقك الله إلا لأمرٍ عظيمٍ وخطب جليل كريم؛ لكي تتعطر الحياة بطاعة مولاك، ولكي تتعطر الحياة بمحبة من أحياك، وتطيب الحياة بالقرب من الله في السعي في كل ما يرضي الله؛ لذلك فإن من أجل نعم الله على العبد أن يلهمه اغتنام هذه الحياة أن يلهمه اغتنام الساعات واللحظات في تقربه إلى الله فاطر الأرض والسماوات، إنها الغنيمة الباردة، والتجارة الرابحة التي يمسي الإنسان ويصبح فيها وهو قريب من الله، فكم من أيام قربت القلوب إلى ربها! وكم من ليالٍ شوقت القلوب إلى خالقها! إنها الغنيمة الباردة، والتجارة الرابحة حينما يغنم الإنسان الساعات واللحظات، فلا تمضي عليه ساعة من يومه، ولا ساعة من ليله إلا وهو في ذكر أو شكر.

ولقد أنزل الله جل وعلا كتابه المبين وبعث رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم؛ لكي يحيي في القلوب هذا الأمر الجليل، ولكي يتحرك الناس إلى عبادة الله رب الجنة والناس، ولكي يكون ليل الإنسان ونهاره مطية له إلى طاعة الله ومرضاة الله.