للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطريقة المثلى لإنكار المنكر]

السؤال

هذا سائل يتحدث عن غربة هذا الزمان، وعن الأمور التي فشت عند كثير من الناس من الفساد والأمور المحرمة ويقول: ما هو واجبي أمام إقبال هؤلاء الناس على الحياة والانغماس في الملذات؟

الجواب

نجمل هذا الواجب في أمور: أولها: أن تكون قدوة في مجتمعك، أول ما يفكر فيه الشاب الصالح الموفق الذي يريد هداية الناس ويريد الخير للناس: أن يكون قدوة، أول ما تفكر فيه صلاح نفسك، وتحمل نفسك على طاعة الله ومحبة الله حتى تكون إمام خير، ولذلك قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤] أول ما يفكر فيه الشاب الصالح الموفق أن يكون قدوة للغير، ولذلك ما أوحى الله إلى نبيه الكتاب ولا أنزل إليه إلا بعد أن أصبح إماماً وقدوة لمجتمعه، كانوا يسمونه الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه.

تكون قدوة في صلاحك وطاعتك لله جل وعلا، وقدوة في أخلاقك ومعاملاتك للناس، تحاول قدر استطاعتك داخل مجتمعك، وأقرباؤك وجيرانك وأهلك لا بد أن يلمسوا أن هذه الهداية غيرت من حياتك، فالكبير يراك تجله، والصغير يراك توقره، ويرى فيك رحمة الهداية، فتكون كأنك طبيب تأخذ الناس إلى محبة الله ومرضاة الله، تداوي القلوب بكلام الله علام الغيوب، أول ما تفكر فيه أن تكون قدوة في نفسك، وكم من قدوة صالح دعا الناس بأخلاقه وأعماله قبل أن يدعوهم بقوله، قال بعضهم: كونوا دعاة وأنتم صامتون، قالوا: كيف ندعو ونحن صامتون؟ قال: ادعوا الناس بأخلاقكم وسمتكم قبل أن تدعوهم بقولكم، فالدعوة بالقدوة الصالحة.

النقطة الثانية أخي في الله: النصيحة والموعظة الحسنة، وتختار لها الوقت المناسب والأسلوب المناسب، فإذا رأيت جاراً على زلة تختار أفضل الأوقات لزيارته أو تدعوه إلى زيارتك، ثم تكلمه كلمة المشفق من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أوصيك ألا تخرج كلمة منك وأنت تنصح أو تعظ إلا وأنت ترجو الله والدار الآخرة، الكلمة الصادقة والنصيحة الخالصة لوجه الله لا يمكن أن تذهب سدى، لا بد أن تقع في القلوب ولا بد أن تؤثر في القلوب إن عاجلاً أو آجلاً، كن صادقاً ليس هدفك إلا نجاة العبد، لا تنطلق حمية ولا غيرة، بعض الأحيان يرى الرجل أخاه على منكر فيقول: فضحتنا، فعلت بنا، فعلت بنا.

إذاً ما هو الدافع لإنكار المنكر؟ الحمية، العصبية، لكن حينما ينطلق مشفقاً عليه من عذاب الله، يقول: يا أخي! اتق الله، يا أخي! إني أخاف عليك عذاب يوم عظيم! يذكره بالله جل وعلا؛ يجد لهذه الموعظة والنصيحة أثراً، فكن صادقاً مع الله في نصح الناس وتوجيه الناس.

ومما يعين على الصدق أن تعلم أنه إذا ترك هذا الحرام أجرت على تركه، وأنه إذا فعل هذه الطاعة والله ما فعلها يوماً من الأيام في سواد ليل أو ضياء نهار إلا كان لك مثل أجره، فهذه غنيمة وتجارة رابحة، نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم منها.

واعلم -أخي في الله- أن مهمتنا البلاغ {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢] أقم حجة الله على عباد الله، فإن خرج الأمر إلى الاستهزاء والسخرية فاصبر، أوصيك بأمرين: أولاً: ألا تتألم لسخرية الساخرين، واستهزاء المستهزئين.

ثانياً: إياك أن تجاري أهل الجاهلية في جاهليتهم، إذا جئت تنصح أي شخص فوجدته يستهزئ أو يتلاعب فكف عنه وأعرض عن الجاهلين، فإنه إذا رآك لا تجاريه في جاهليته علم أن هدفك هو النصح والتوجيه.

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم الإخلاص، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، والله تعالى أعلم.