للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصايا لمن تاب وقلبه معلق بالمعصية]

السؤال

فضيلة الشيخ! أنا شاب تائب -أسأل الله أن يرزقني التوبة النصوح- وكنت من قبل التوبة أشاهد عدداً كبيراً من الأفلام الجنسية، ولا يخفى عليك ذلك الخيال المشبع بتلك الصور، فما الوسيلة للنسيان ومقاومة تلك الشهوة الجامحة التي لم أستطع ردها حتى بالصوم، وأستغفر الله لي ولك وللمسلمين؟

الجواب

أولاً: الحمد لله الذي منّ عليك بالتوبة والهداية، وشرح صدرك لسلوك سبيل محبته ومرضاته.

أوصيك أخي بحب الله، فإذا أحببت الله جل وعلا أنعم عليك، ألا وإن من حب الله الذي يزيدك الله به ثباتاً على الهداية أن تشكره على هذه النعمة، فتقول: الحمد لله والشكر لله أنه لم يدركني الموت وأنا على هذه الملهيات والمغريات والشهوات المهلكات، فاحمد الله عز وجل على نعمته.

الوصية الثانية التي أوصيك بها: إن كثرت عليك هذه المشاهد فأوصيك بكثرة ذكر القبر والموت، فما هذب سلوك الإنسان شيء أعظم -بعد توفيق الله جل وعلا وهدايته- من ذكر القبر والموت والحشر والنشر، والسؤال والصراط، أكثر من ذكر الآخرة فإن الموت نغص على أهل اللذات لذاتهم، والموت قطع أهل الشهوات عن شهواتهم، أكثر من ذكر تلك اللحظة الأخيرة من هذه الحياة، والله مهما بلغ من معصية الإنسان إذا تذكر أنها ستمر عليه هذه اللحظة التي لا يدري متى زمانها ولا يدري أين مكانها هانت عليه الدنيا وما فيها، وتذكر أنه سيمر عليه مثل هذه اللحظة وأنت ضجيع القبر والبلى لا مال ولا بنون، ولا عشيرة ولا أقربون، وأنت مرهون بما كان ويكون من أمر الله جل وعلا، فأكثر من ذكر الآخرة فإن الله يقوم بها سلوك المؤمن ويحفظه من الزلل.

والأمر الثالث: أوصيك بوصية هي من أفضل الوصايا في مثل هذه الأمور: كثرة الدعاء، أكثر من الدعاء فإن الدعاء سلاح المؤمن، القلوب بين أصبعين من أصابعه سبحانه وتعالى، ولذلك أكثر من دعائه وسؤاله أن يصرف قلبك عن هذه الشهوات وهذه المناظر والملهيات فإن الله يفعل، فإن أمر الله كن فيكون، ولذلك قال الله جل وعلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:٢٤] فالله يحول بين المرء وقلبه، ولذلك ينبغي للإنسان أن يكثر من دعاء الله جل وعلا، ويسأل الله جل وعلا أن يصرفها عنه، وبإذن الله ستجد من الله فرجاً ومخرجاً.

أخي في الله! إن هذا الذي تجده الآن من تعلق قلبك بما مضى، وتحس في بعض الفترات يمر عليك طيف من خيالها امتحان وابتلاء واختبار من الله جل وعلا، الله يريد أن يختبرك الآن، فإن حن الإنسان إلى الماضي كان ناقصاً في هدايته، وناقصاً في إيمانه على قدر حنينه، ففر إلى الله وأنت إذا جاءتك تبكي وتشتكي وتتألم وتضيق عليك الدنيا كان هذا الضيق وهذا الهم الذي يصيبك في ميزان حسناتك؛ لأنه كما أن للأيدي والألسنة أعمال فللقلوب أيضاً أعمال، فلذلك مقتك لهذه الصور عندما تتذكرها وتتألم منها وتكثر من الاستغفار عند ذكرها فإن الله جل وعلا يثيبك عليه.

والوصية الأخيرة: إذا مر بك طيفها اذكر الله، وأرجو من الله جل وعلا إذا فعلت ذلك أنه لا يعود لماذا؟ لأن طيفها جاءك من الشيطان، فالشيطان يريد أن يذكرك هذا الماضي حتى تحن إليه، فإذا وجدك صادقاً بمجرد ما يذكرك بها تذكر الله ما يأتيك؛ لأنه لا يريد ذكر الله جل وعلا، فأكثر من ذكر الله، وكن مع الله جل وعلا، بمجرد ما تذكرها قل: أستغفر الله.

وإذا ذكرتها يتفطر قلبك على التفريط في جنب الله، ويكون عندك حزن على ما أنت قادم عليه من الآخرة.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصرف قلبك عنها، وأن يجعل لك الفرج منها، والله تعالى أعلم.