للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المعاشرة بالمعروف]

أما الحق الثاني فقد أمر الله تبارك وتعالى به في أكثر من آية من كتابه، وهو ثمرة الخوف والخشية من الله عز وجل: العشرة بالمعروف خلق الأوفياء، وشأن الكرماء العشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها في كتابه، فقال سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩].

قال ابن عباس: [الخير الكثير أن تكره المرأةَ فتصبر عليها، فيرزقك الله منها ولداً صالحاً فيه خير كثير] وقال الله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة:٢٣١] أي: إنه قد ظلم نفسه وسيلقى من الله ما يكون جزاءً وفاقاً لعمله.

فلا يحسبن الظالم إذا أمسك الزوجة للإضرار أن الله غافل عن إضراره، لا والله، فكم لله من نقم وسطوات تنزلت بسبب تلك الدعوات من النساء المظلومات، وكم من رجل تنغصت عليه عيشته، وتنكدت عليه حياته بظلمه لمؤمنة آمنت بالله، فرفعت كفها مظلومة فاشتكت إلى الله! فإن الله قد سمع شكوى المرأة من فوق سبع سماوات، تقول عائشة: [إنه ليخفى علي بعض كلامها، فسبحان من وسع سمعه الأصوات.

سمعها من فوق سبع سماوات تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعلها، وتشتكي إلى الله من زوجها]، فأنزل الله عز وجل فيه قرآناً، وأبقى للعباد من شأنها فرقاناً.

أحبتي في الله: أمر الله بالمعاشرة بالمعروف وهي خصلة الكرماء، وشيمة البررة الأوفياء، شيمة الصالحين، وخلق عباد الله المتقين.

ولذلك لما سأل رجلٌ الحسن البصري رحمه الله، فقال له: [يا إمام! إن لي ابنة، لمن أزوجها؟ قال: زوجها التقي، فإنه إن أمسكها برها، وإن طلقها لم يظلمها] فمن يتقي الله هو الذي يمسك بالمعروف، وهو الذي يفارق بإحسان.

يقول الله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}، أي: إن أمسكتم النساء في عصمتكم فأمسكوهن على الشيمة والوفاء وحسن العهد والذمة والمحبة والصفاء أمسكوهن إمساك الخير لا إمساك الإضرار، فهذه وصية الله لعباده.

ولذلك كان السلف الصالح رحمهم الله، إذا أرادوا تزويج الرجل وسأل عن شرط الولي، قالوا: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقال عبد الله بن عباس في تفسير قول الله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء:٢١] قال: [الغليظ: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان] غليظ لكنه على المؤمن يسير، ميثاق غليظ: أي: إن الله أمر كل مؤمن يؤمن بلقائه وبكتابه أن يمسك بالمعروف، فهذا ميثاق غليظ من الله.

فالله الله أن ينظر الله إليك يوماً من الأيام وأنت تمسك المرأة بقصد الأذية! فإن الله تعالى جعل القلوب محل النظر.

والغريب أن الله تعالى يقول للكفار: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً} [الأنفال:٧٠] فهم كفار، لكن لو علم الله في قلوبهم خيراً لأعطاهم على قدر نياتهم، فكيف بالمؤمن؟! فالقلب محل النظر من الله عز وجل.

والله! ما أخفى إنسان في سريرته وقلبه نية سوء إلا فضحه الله عز وجل، ولا تحسبن الله غافلاً عن عباده!