للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوحيد في سعة الرحمة والحلم]

ومن مشاهد التوحيد التي تدل على عظمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفضله وكرمه؛ سعة الرحمة وسعة الحلم، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من صفاته أنه حليم ورحيم، فأنت إذا قرأت الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) علمت علماً جازماً أن الله لا تضره معصية العاصين، ولا تنفعه طاعة المطيعين، ومن حلمه ورحمته أنه إذا وقف أقوام أبناء ستين وسبعين عاماً ببابه لحظة من اللحظات، أراقوا فيه الدموع، وأظهروا فيها الحسرات واللوعات على ما سلف وكان من الذنوب والعصيان، فاستقالوا واعتذروا لربهم وتابوا واستغفروا فغفر الله ذنوبهم؛ بل وبدل الذنوب حسنات.

أي كرم وأي فضل هذا! والله لو تأمل الإنسان عظمة هذا الرب لأحس بقيمة هذه الحياة، فلا لذة لهذه الحياة إلا بمعرفة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن عرف الله جل جلاله أقبل على الله صدق الإقبال، فأتم خشيته وهيبته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحبه جل جلاله، هذا الرب الكريم، أمم تعصيه وتذنب وتسرف، ومع ذلك يبدل السيئات حسنات، فلا يغفر فقط بل يبدل الذنوب والسيئات حسنات سبحان الله ما أكرمه! لنا مليك محسن إلينا من نحن لولا فضله علينا تَبَارَكَ الله وجل الله أعظم ما فاهت به الأفواه سبحان من ذلت له الأشراف أكرم من يرجى ومن يخاف فإذا علم العبد عظمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في حلمه ورحمته ومنه وفضله، أحس أنه لا يزال بخير ما كان مع الله جَلَّ جَلالُهُ، كذلك يحس أنه مادامت هذه الأمم كلها تنادي الله جَلَّ جَلالُهُ في لحظة واحدة والله يسمعها ويراها، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيرحمه كما رحمهم، وسيلطف به كما لطف بهم، ولكن ما عمل الإنسان إلا أن يوقن بالله جَلَّ جَلالُهُ وأن يسلم لله قلبه، فلا تضيق عليك أي ضائقة ولا تنزل بك أي ملمة إلا أحسنت الظن بالله عَزَّ وَجَلَ.

من الأمور التي يستفيدها الحاج في حجه: حسن الظن بالله عَزَّ وَجَلَ؛ لأنك إذا رأيت هذه الأمم كلها وتعلم علم اليقين أن فيهم المغفور والمرحوم ولربما -ونحن لا نستكثر على الله ولا نستبعد على الله وليس على الله بعزيز- أن يقول لأهل الموقف كلهم: انصرفوا قد غفرت لكم.

بغي من بغايا بني إسرائيل زانية -أعاذنا الله وإياكم- مرت على كلب يلهث الثرى فرحمته فملأت خفها وسقته، فشكر الله لها فغفر لها ذنوبها، فقط بشربة ماء، ورجل مر على غصن شوك، وهو مطروح في طريق المسلمين، أخذته الشفقة فأحب الإحسان، وقال: والله لأنحين هذا عن طريق المسلمين، فزحزحه عن الطريق فزحزحه الله عن نار جهنم، هذا الرب الكريم الحليم الرحيم، ليس هناك للعبد مثل حسن الظن بالله جَلَّ جَلالُهُ.

ولذلك في الحديث الصحيح يقول الله تعالى: (أنا عند حسن ظن عبدي بي، فمن ظن بي خيراً كان له، ومن ظن بي شراً كان له).

من ظن بالله شراً -والعياذ بالله- كالذين يعكفون على الأشجار والأحجار والقبور ويضغون بأصحابها، ويضيفون عليهم الألقاب والكلمات التي لا تليق إلا بالله جَلَّ جَلالُهُ، تعالى الله عما يقول المشركون علواً عظيماً.

هؤلاء في خيبتهم وخسارتهم لأنهم أساءوا الظن بالله عَزَّ وَجَلَ، ما عرفوا الله عَزَّ وَجَلَ، فلو عرفوه ما التفتوا إلى شيء سواه -نسأل الله السلامة والعافية- ولذلك إذا أحسن العبد ظنه بالله عز وجل تلقاه الله برحمته وفاز بعفوه ومغفرته، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشملنا بذلك العفو والمغفرة.