للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وعظ الأبناء بحق الله وتوحيده]

أحب الكلام إلى الله ما ذكّر بالله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:٣٣]، تبتدئ الأسرة المسلمة موعظتها بأعظم الحقوق وأجلها على الإطلاق؛ وهو حق الله جل جلاله، حقه في توحيده وإفراده بالعبادة، والإخلاص لوجهه.

فالناصح والواعظ من الوالد والولد والوالدة يذكِّر من ينصحه بعظيم حق الله عليه، وجميل منته لديه {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] قالها لقمان لفلذة كبده يذكره بالعقيدة والإيمان {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]، أخذ بمجامع قلبه إلى الله، وذكره بأعظم الحقوق وهو حق الله.

يا بني! يا فلذة الكبد! يا من هو كلحمي ودمي! لا تشرك بالله، نهاه عن أعظم نهي نهى الله عنه ورسوله صلوات الله وسلامه عليه: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) يذكِّره أن الله رضي له التوحيد والإيمان وكره له عبودية الأوثان، يذكره بالسماء ومن بناها، وبالأرض ومن طحاها، وبالجبال ومن أرساها، يذكره بشواهد التوحيد، ودلائل وحدانية العظيم المجيد.

كم من أبٍ ذكر ابنه في ظلمة ليل بمن جعل الظلام في ليله، فما أمسى الابن إلا وتذكر الله! وكم من أم صالحة ذكّرت بنتها بربها وأخذت بمجامع قلبها إلى خالقها، فوحدت وأسلمت واستسلمت! وكل ذلك في ميزان حسناتها.

يحتاج الابن أن تذكره بالله في كل لحظة وطرفة عين، تذكره بجبار السماوات والأرض تذكره بمن بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه؛ حتى يخوض الحياة مؤمناً ويعيش موحداً، حتى تقبض روحه مع السعداء والأولياء الحنفاء.

ينتظر ابنك -في كل لحظة وفي كل طرفة عين- أن تذكره بحق الله، حتى ولو بالكلمة العابرة، ومما تذكره بالله أن تذكره بحقوقه العظيمة، فتأمره بتقواه، وتحثه على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتستجيب لأمر نبيك صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) الأب الصالح يذكر ابنه بالصلاة، ويعظه حتى يحبب إلى قلبه الوقوف بين يدي الله جل وعلا، والعبد الصالح يأخذ أبناءه إلى بيوت الله بالليل والنهار، والعشي والإبكار.

والله إنك ما علّمت ابنك الوضوء فصب الماء على يده أو جسده إلا كتب الله لك أجره، ووالله إنك ما علّمته الصلاة وكيف يقرأ فاتحتها، وكيف يحسن ركوعها وسجودها، وكيف ينتصب بين يدي الله فيها إلا كان لك مثل أجره كلما وقف بين يدي الله مصلياً، ولو علّم غيره كتب الله لك الحسنات، ورفعك إلى عظيم الدرجات، فالصالحات الباقيات، فمن أمر أبناءه بالصلاة وتفقدهم بالعشي والإبكار والصبح والمساء، أعظم الله أجره، وثقل ميزانه، وأورث في قلوب أبنائه حبه، فكم من آباء ربوا أبناءهم في الصغر على هذه الطاعة المرضية، فما كبروا إلا على حبهم وتقديرهم وإجلالهم لآبائهم، قال بعض العلماء: حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمر الأولاد بالصلاة، ومن عوّد نفسه أن يأمر أولاده بالصلاة، اعتاد أولاده من الصغر على السمع والطاعة، وقل أن تجد أباً كان يتفقد أبناءه في الصغر -حتى شبوا على حب الصلاة- إلا وجدته يحيا الحياة السعيدة يعيش بين أبنائه حميداً وليموتن قريراً سعيداً، وليدركن صلاح أبنائه إذا ضمته اللحود، وهجمت عليه الكروب، فرفع ابنه كفه إلى الله شافعاً، يسأل ربه أن يسبغ عليه شآبيب الرحمات، فمن وفى لله وفى الله له، ليس بيننا وبين الله حسب ولا نسب، لا يعرفنا الله بأحسابنا ولا بأنسابنا ولا بأموالنا، بل يعرفنا بديننا وإخلاصنا وتوحيدنا وقيامنا بحقوق ربنا، هذا الذي بيننا وبين الله.

ولما كانت الأمة راكعةً ساجدة، أبناؤها وبناتها كبارها وصغارها لا يضيعون حقوق الله؛ عزّت وسادت وكانت في رحمة من ربها، ولما تناسى الناس حقوق رب الجنة والناس، وأصبح الأمر بالصلاة تعقيداً وتضييقاً ونفر الناس منه؛ ضاعت كرامتهم، وعظمت بليتهم، فأصبح الوالد مجهولاً -والعياذ بالله- حتى عند فلذة كبده.