للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الكلام في أعراض المسلمين]

السؤال

لي صديق قديم وأخ كريم دخل على قلبه داخل شك في أهل قبلته ومشاعل دعوته, فكرهني لحبهم, أقترب إليه وهو يهرب مني, أذكره بالخير ويذكرني بالشر, ألقاه مبتسماً ويلقاني عابساً مقطباً جبينه, ولقد قررت أن أزوره وأخشى أن يسمعني ما أكره أو يغتاب عالما ً أو داعية نكاية بي, فكيف أتأدب في زيارته وأبين له ظلامته، شكر الله لكم وحفظكم؟

الجواب

هذه المسألة ينبغي للمسلم أن يلتزم فيها بما أمر الله بالتزامه, إذا اختلفت أنت وأخوك في أمر فاعرضه على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم, وخذ ما ينتقده على من شاء, فاعرض كلامه على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم, فإن وجدت حقاً قبلته, فالحق أحق أن يتبع, وإن وجدت باطلاً نصحته ووجهته، فإن كان من الذين لا يستمعون النصيحة ويحرصون على الأذية والفضيحة، فإنا لله وإنا إليه راجعون وإلى الله المشتكى, وهو حسبنا وكفى.

فينبغي للإنسان أن يعرض الخلاف بينه وبين أخيه على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم, لا يمنعك إذا خطأك أخوك أن تصغي بإذنك إلى خطئه فلعل الصواب معه, وكذلك أيضاً لا يمنعك إذا رأيته على خطأ وخلل أن تسدي إليه النصيحة.

أما ما ذكرته من كونه يصر ويعاند، فالأصل المقرر عند العلماء أن الإنسان إذا كان ممارياً كثير المراء والجدل لا تنفع معه النصيحة, فإن الأولى تركه وعدم الاشتغال به, يا هذا إن العلماء لا يضرهم كلام من تكلم فيهم, يا هذا إنه قد تُكلم فيمن هو خير وأحب إلى الله منا، هذا رسول الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أوذي، ولذلك لما كانت وقعة حنين قال بعض الصحابة: أيعطيهم وسيوفنا تقطر من دمائهم, وقال بعضهم: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله, تقال في النبي صلى الله عليه وسلم, فلما بلغت مقالته النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) هذا النبي موسى عليه الصلاة والسلام يقول الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب:٦٩]-ثم ماذا بعد هذا- {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ} [الأحزاب:٦٩] الله هو الذي يتولى أمر الصلحاء والعلماء والدعاة والأخيار، هو الذي يبرؤهم, وكم من خيِّر شاع وذاع بطعن الإنسان, خيِّر شاع خيره وذاع خبره بسبب كلام الناس فيه, انظر إلى أبي هريرة حافظ من حفاظ الصحابة يقول فيه الإمام ابن حجر: حافظ الصحابة ووعاء من أوعية العلم, جاء في آخر السنة السادسة من الهجرة إلى المدينة فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر , انظروا إلى حرص هذا الصحابي وفضله على الأمة, ما استطاع أن يجلس ولكن سافر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، لم ينتظره أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ولكن سافر ثم لازم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة حتى كان رضي الله عنه كما يصف: [لقد كنت أصرع من الجوع بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وبيته, فيأتي الرجل ويضع قدمه على عنقي يظن أن بي الجنون, وما بي الجنون ولكن بي الجوع] يقول: كنت أصحبه على ملئ بطني, يجوع من أجل ألا يفوته مجلس من مجالس النبي صلى الله عليه وسلم, اللهم ارض عنه, اللهم أرضه وارض عنه واجزه عنا خير الجزاء, خلال سنوات يسيرة حفظ الآلاف من الأحاديث, تعرفون هذا الحفظ وهذا العناء والتعب ماذا كانت عاقبته؟ عندما أصبح يحدث بالأحاديث قال بعض الناس: أبو هريرة يكذب على رسول الله, صحابي جليل يقول النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (اللهم حببه إلى عبادك المؤمنين) يقولون: يكذب على رسول الله, إذا كان أبو هريرة يقال فيه: إنه يكذب, فأين نحن؟ يقول رضي الله عنه ذات يوم في مجلس: [يا أهل الكوفة -ويقبض لحيته- أنا أكذب على رسول صلى الله عليه وسلم؟ ثم يقول: الله الموعد] فالموعد بين العلماء وبين من يتكلم بهم في سائر الأزمنة والأمكنة الله، والله الحكم العدل الذي بين يديه تجتمع الخصوم وعندها ينصف الظالم للمظلوم.

فلذلك إياك أن تدخل في خلاف العلماء, ولذلك قالوا: العالم مع العالم إذا اختلف كطرفي المقص من دخل بينهم قضم, لا تدخل بين العلماء, ولذلك يا ليت العلماء يختلفون ويرد بعضهم على بعض, الخلاف موجود من قديم, ولكن البلاء ثم البلاء لهؤلاء المتطفلون الذين يورثون الأحقاد بين العلماء, وينقلون الكلام بينهم, وإلا فإن علماءنا أخيارنا وقدوتنا وعلى رءوسنا وأعيننا, ولكن البلاء في نقل الأحاديث من المغرضين، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم وأن يكف بأسهم عن المسلمين.

فالمقصود -أخي في الله- أن الكلام في العلماء قديم ليس وليد اليوم, شيخ الإسلام ابن تيمية إمام من أئمة العلم وديوان من دواوين العلم والعمل والدعوة والجهاد والصدع بالحق ونفع المسلمين، وكم نشر الله به من السنن, وأحيا به من الشرائع, ومع ذلك رحمة الله عليه آذاه أعداؤه, فقالوا: يبغض النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه, ويبغض الصالحين وحاشاه, فجعل الله كلام أعدائه سبباً في رفعة ذكره إلى يوم القيامة, فاعلم -أخي في الله- أن للعلماء رباً تولى أمورهم, وأن للدعاة والهداة خالقاً لا يضيعهم, وأنها إذا خرجت الكلمات منهم فالله ظهيرهم وهو حسبهم ونعم الوكيل.

فلذلك الذي أوصي الإنسان أن يتقي الله في نفسه, لا تسمع لمزاً في العلماء, لا ينظر الله إليك وقد أصغيت بإذنك لإنسان يقع في العلماء, ولذلك إذا أعرضت عن العالم ضررت بنفسك ولم تضر العالم شيئاً, كما قال بعض السلف: يا بني لا تعرض عن العالم, فإنك إن أعرضت عنه أضررت نفسك ولم تضر العالم شيئاً, ولن تضر إلا نفسك, وقال الجد رحمه الله: فمن صد عنا بحسبه اللوم والقلى ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته يجلس الناس يتكلمون في العلماء وهم أوعية علم فتجلس والله فلان فيه، وفلان فيه وفيه، وتحرم طلب العلم والانتفاع والرواية وأخذ الخير عنه حتى يأتي اليوم الذي ينتقل فيه إلى رحمة الله فتعض على أصابع الندم, وتقول: آه لقد غشني فلان وفلان, وتحمل على ظهرك الأثقال والأوزار بغيبة ولمز العلماء, فلنتق الله عز وجل، ونسأل الله العظيم أن يسلمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن, ونسأل الله العظيم أن يصلح أحوال المسلمين وأن يجمع بين قلوبهم, وأن يؤلف بينهم على طاعته ومرضاته والله تعالى أعلم.