للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الأخوة الصادقة.]

والأخوة الدنيوية

السؤال

ما رأيك فيمن تصاحبه في الله ويعرض عنك لا لشيء، وإنما لأشياء دنيوية ليس لها ذلك الشأن, فأرجو أن توجه تلك النصيحة لهؤلاء الشباب الذين يفعلون مثل ذلك؟

الجواب

باسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد: أنت تشتكي -يا أخي في الله- من تغير قلوب بعض إخوانك وخلانك الذين يحبونك في الله، ثم يعرضون لأمور من الدنيا، هذه من البلايا التي تكون في الحب في الله, أن يعرض الإنسان عن أخيه لفقر يده أو مسكنته أو رثاثة حاله, فكم من أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره, قال بعض العلماء: من أسباب إجابة الدعاء ثلاثة أشياء: ١/ رثاثة الإنسان, كأن يكون فقيراً لا مال عنده.

٢/ رفعه الكف إلى السماء.

٣/ طول السفر.

استنبطوا ذلك من الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم, أما رثاثة الثوب فقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) فالله لا يزن الناس بثيابهم, ولا مناظرهم, ولا ألوانهم, ولكن بقلوبهم وأعمالهم, فإذا أحببت أخاً في الله ورأيت عليه رثاثة المنظر وصدق العبودية لله فأحبه من كل قلبك, فإن الحب لله لا لشيء سواه.

وأما الصفة الثانية وهي: طول السفر, والصفة الثالثة وهي: رفع الكف, فقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (.

ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب! يارب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنىّ يستجاب لذلك) فذكر أبلغ صفات الدعاء والتضرع فجمع الثلاثة الأوصاف, فالمقصود أنه لا يُلتفت إلى المظاهر, فكم من مظاهر رثيثة لا يعبأ بها الإنسان ولكنها تبطن جواهر عزيزة عند الله جل وعلا, كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد الواحد منهم في الصلاة بدت عورته من وراء ظهره, رضي الله عنهم وأرضاهم.

وخرج مصعب بن عمير من الدنيا بشملة إذا غطوا بها وجهه بدت قدماه, وإذا غطوا بها قدميه بدا بها وجهه, فقال صلى الله عليه وسلم: (غطوا بها وجهه, واجعلوا على رجليه إذخراً أو شيئاً من الإذخر) هذا الذي خرج به من الدنيا, صحابي جليل شهير قتل في سبيل الله, وخرج من الدنيا بشملة, فلو رأيت هذا الصحابي في حالة رثاثته ومنظره، كيف يكون الحال؟ {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:٥٢] نزلت حينما قال أعيان قريش والأغنياء والأثرياء: يا محمد، نحِّ السفهاء عنك -هؤلاء السفهاء الذين هم أذلاء حقراء في الدنيا نحهم عنك- حتى نجلس معك, فأنزل الله عز وجل عليه: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام:٥٢] وقال في الآية الثانية لنبيه: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:٥٢] فلا تعرضن عن أخيك في الله ليكن قلبك قلباً حياً مؤمناً بالله جل جلاله, يعامل الناس بإيمان صادق, لا بالمظاهر ولا بالصور ولا بالدنيا ولا بالغنى ولا بالمراتب ولا بالوظائف ولكن لله جل جلاله, ينظر الله إليك عبداً مؤمناً صادقاً تلقى أخاك قلبك كقالبك، تبشّ بوجهه وتبدي له السرور ولو كان حقيراً في منظره, حقيراً في ثوبه, وفي ذاته, ولكن تكرمه لله جل جلاله, ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ -من هم الأغنياء أو الأثرياء أو الرفعاء؟!! - أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً) , ما معنى الموطئون أكنافاً؟ أناس متواضعون إذا جاءهم الذين فيهم ذلة المنظر أقبلوا عليهم كما يقبل على من عز منظره, وقد يقبل الإنسان المؤمن الصادق على أخيه في الله ذي المنظر الرث أكثر مما يقبل على الغني.

فهذا أمر أطلت فيه للحاجة الماسة، فكم من أواصر حب في الله تغيرت حينما أحس أخوك أنك تحبه للدنيا, فرآك تهش لأخ ثري أكثر مما تهش لإنسان فقير ضعيف, فزن إخوانك بالدين, وليكن مبدؤك وميزانك مبدأ رب العالمين, والميزان الذي نصبه للعالمين {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم ممن أحب فيه صادقاً، والله تعالى أعلم.