للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية الرابعة: حفظ العهد بين الزوجين]

الوصية الرابعة التي يوصى بها كلا الزوجين: حفظ العهد، فإن حفظ العهد من الإيمان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الإيمان، وقد فعل ذلك عليه صلوات الله وسلامه، فكان حتى بعد وفاة خديجة حافظاً لعهدها صلوات الله وسلامه عليه، حينما دخلت عليه هالة أخت خديجة فقام يجر رداءه صلوات الله وسلامه عليه.

وما ذكر خديجة إلا وأثنى عليها, فكانت عائشة رضي الله عنها، تغار حتى أنها قالت: (أليس قد أبدلك الله خيراً منها؟ فقال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي وكفر بي الناس، وأعطتني ومنعني الناس) سبحان الله! زوجة ميتة ومع ذلك يحفظ حقها صلوات الله وسلامه عليه، فمن شيمة أهل الإيمان أنهم يحفظون حقوق الزوجات.

فحفظ الحق هو الذي يصلح الله به البيوت، ويكون في كل صغير وكبير من أمور الزوجية، حتى عندما تدخل البيت، وتراها قد هيأت لك طعامك، فقلت لها: جزاك الله كل خير بارك الله فيك لا شلت يمين منك أي كلمة طيبة، يقول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:٨٣].

أيها الإخوة: هذه أمور قد تكون يسيرة، لكن نذكركم بها؛ لأن الله يأجر عليها، تراها في تعب ونصب، فتأتيها في الظهيرة والقائلة وأنت عليك الهموم والغموم فتضع بين يديك الطعام لكي تذكرك معروفها، فتقول من شيمتك ووفائك لها: جزاك الله كل خير لا شلت يمينكِ حفظكِ الله نِعم ما صنعتِ كلمة يسيرة أوصانا الله بها، فقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:٨٣] الله أكبر وقولوا للناس! كيف بالأهل والزوجات؟! فالله أمرنا أن نقول الكلام الطيب، وأن نبوح بالكلام الطيب، لكن تصور لو جئتها بعد تعبها ونصبها، وقد صنعت لك الطعام وغسلت لك الثياب، فقلت لها: ما الذي صنعت؟ هذا الطعام فيه كذا وكذا، وأخذت تعيب طعامها، كيف يكون حالها؟ كيف يكون حال هذه المرأة الضعيفة التي سخرها الله لك، وقد كان الإنسان عزباً يغسل ثوبه ويطبخ طعامه، ثم قيظ الله له امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تهيئ له طعامه، فيقابل هذا المعروف بالإساءة؟!! ولذلك ثبت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ما عاب طعاماً وضع بين يديه صلوات الله وسلامه عليه (ما عاب طعاماً قط) صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يدل على أن الحياة الزوجية لا بد أن تقوم على الصبر، إن وجدت شيئاً طيباً أثنيت ومدحت، وإن وجدت شيئاً غير طيب غضضت وسترت، فإن غضضت عنها، فقد يغض الله عز وجل عنك يوم يقوم الأشهاد، وإن غفرت لها يغفر الله لك يوم يقوم الأشهاد، مع أنك قوي وهي ضعيفة، وتستطيع أن تؤدبها وتستطيع أن تؤذيها، لكن ترفع يديك وتقول: يا رب! إني أخاف منك، وإني قد أعرضت عن خطئها لوجهك، فكم يكون لك عند الله عز وجل من الأجر، فهذه من الأمور المهمة: أن يكون كلا الزوجين حافظاً للعهد.

وكما نقول هذا للزوج نقوله للزوجة؛ هذه أمور قد تكون تافهة، لكنها مهمة جداً، فكم من مشاكل زوجية بسبب كلمات خرجت من الألسن في مثل هذه المواقف الحساسة، يأتي الزوج من التعب والنصب لكي تقابله المرأة في ذلك التعب والنصب فتناقشه عن أمر من الأمور، أو تريد أن تصل معه إلى حل قضية من القضايا التي تحتاج إلى راحة ودعة واستفراغ للذهن.

فهذه من الأخطاء التي يقع فيها كثير من النساء -أصلحهن الله- فينبغي أن تعلم المرأة أن الله يحاسبها عن زوجها، وأن الله سيوقفها بين يديه، لكي يحاسبها على كل ما فيه أذى لزوجها.

وإن باتت وزوجها عليها غضبان، باتت الملائكة تلعنها من عظيم حق الزوج عليها.

كوني كبعض النساء الصالحات التي إذا أحست من غضب زوجها عليها بقيت عند قدمه تسأله أن يعفو عنها، كل ذلك خوفاً من أن يغضب الله عز وجل، أو يبيت الذي في السماء ساخطاً عليها.

فالمرأة المؤمنة تخاف الله، والمرأة المؤمنة قلبها رقيق، فمن شيمة أهل الإيمان أن قلوبهم رقيقة، وأن قلوبهم لا تتحمل ما فيه سخط الله عز وجل وغضبه، فهذا أمر مهم ينبغي للمرأة المؤمنة أن تعطيه حقه، وأن تقدر للزوج قدره.

ومن الأخطاء الشائعة من النساء خاصة، إذا عظم الأمر فكان الرجل كبير السن، ذي شيبة مسلم: تهزأ به أمام أطفاله، أو تسخر به أمام أولاده، وكم من امرأة فعلت ذلك في مشيبها فأحبط الله به عمل شبابها، وكم من امرأة سودت صحائف أعمالها بعد أن بيضتها بالأعمال الصالحة، صبرت على زوجها حتى بلغ المشيب والكبر فأهانته وآذته، فختم لها بخاتمة السوء في حياتها الزوجية والعياذ بالله.

وكم من امرأة كانت على أذية لزوجها، وبُعدٍ عن تقديره وإجلاله في بادئ أمرها، فلما شاب ورق عظمه، وابيض شعره، حفظت حقه ووداده، فغفر الله لها سيئات العمر التي مضت.

فينبغي للمرأة أن تخاف الله، وأن تراقب الله خاصة في الكبر.

وكذلك الزوج ينبغي عليه أن يرعى حق الله في الزوجة، وأن يحفظ حقها وعهدها خاصة في الكبر، فمن العيب القبيح أن تجد الرجل ذي الشيبة يجلس مع أطفاله وامرأته على كبر ومشيب، فيستهزئ بامرأته أو يسخر منها، أو يسميها باسم فيه سخرية، فإن هذا مما لا يرضي الله عز وجل، فإن السخرية والاستهزاء ليست من شيمة أهل الإيمان، فإن الله لا يحب سفاسف الأمور، ولكن يحب معاليها.

إذا شاب شعرك، ورق عظمك، وشاب شعرها ورق عظمها، فليس هناك إلا ختم الأعمال بالصالحات، وذكر الله عز وجل بالمرضاة التي توجب المحبة من الله ورفعة الدرجات، ليس بعد المشيب والكبر إلا الأخلاق الفاضلة، والسكينة والوقار التي يتربى عليها أبناء المسلمين، هذه أمور ينبغي أن نتواصى بها، وأن يشد بعضنا أزر بعض، وأن نتقي الله عز وجل في هذه البيوت، وأن نختم حياة الزوجية بمرضاة الله جل جلاله.