للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة]

السؤال

كيف نوفق بين أن ابتلاء المؤمنين سنة من سنن الله وأن المؤمنين لهم السعادة في الدنيا والآخرة؟

الجواب

السعادة ليست في الصور والأشكال السعادة ليست في المناظر وليست في زهرة الحياة الدنيا، السعادة سعادة القلب ولله در الشاعر إذ يقول: ولم أر السعادة جمع مالٍ ولكن التقي هو السعيد الراحة والطمأنينة والسعادة التي وعد الله بها المؤمن في قلبه وفؤاده، ولذلك تجد الإنسان فقيراً مدقعاً لا طعام عنده ولا شراب ولا كساء وتقول له: كيف حالك؟! يقول لك: الحمد لله في نعمة وفضل من الله، وتجد الرجل طريح الفراش مشلول اليدين مشلول القدمين أعمى أصم فتخاطبه ويسمعك فتقول له: كيف حالك؟! فيقول لك: الحمد لله.

والله إن أحد الشباب من الأخيار أصيب منذ عهد قريب فأصبح -والعياذ بالله- مشلولاً لا يتحرك، لكن كل من يدخل عليه يعجب من قوة إيمانه وثبات جنانه، ويقول: ما رأينا أشرح صدراً من ذلك الرجل، ليست السعادة في المناظر، وليست السعادة في هذا الزهرة، السعادة في التعلق بالله تبارك وتعالى، المؤمن له السعادة؛ لأن عنده اليقين الذي يتعلق به بالله عز وجل.

لذلك تجد أغنى الناس أشقى الناس بغناه، تجد له قلباً هنا وقلباً هناك وقلباً مع التجارة وقلباً مع السيارة وقلباً في العمارة، في همٍ ونكدٍ لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، تجده يركب أحسن وأفره السيارات، ولكن داخل قلبه من الجحيم والقلق والاضطراب النفسي ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، مع أنه في عز وكرامة ومال وجاه لكن فقَدَ السعادة الحقيقية، فقَدَ الإيمان بالله والصلة والثقة بالله عز وجل.

وأضرب لك مثلاً أوسع من ذلك كله: انظر إلى أغنى الناس تجده أكثر الناس مرضاً، تجده أغنى الناس ولو طلب أي طعام يلبى له، ولكن عنده مرض في السكر، وعنده مرض في الضغط، وعنده مرض في عينه ومرض في قدمه بسبب هذه الأموال والهم الذي أصابه من هذه الأموال، ومع ذلك لا يستطيع أن يأكل إلا طعاماً معيناً، ولا يشرب إلا بطريقة معينة؛ لأنه حرُم السعادة الأبدية، ولذلك قد تجد الإنسان فقيراً مدقعاً حوله أبناءه لطف الله به من حيث لا يشعر.

هب يا أخي الكريم: أن الله أعطاك الأموال فعظمت تجارتك وكثرت أموالك وأصبح عندك في كل وادٍ تجارة، وفي كل مدينة تجارة، يتشتت قلبك ويتشتت ذهنك، حتى إن أبناءك يتشتتون بهذه الأموال التي لك، يوماً يسافر ويوماً يغادر ويوماً في مكان كذا ويوماً في مكان آخر، ولا يمكن أن يتمتع الغني، سله متى يتمتع بأبنائه؟ ربما يمر عليه العام الكامل لا يرى ابنه أو ربما يراه يوماً أو يومين، ومع ذلك يظن أنه في سعادة، أي سعادة هذه؟ المال الذي يظن الإنسان أنه سعادة قد يكون سبباً في تدمير حياته كلها، فإن قارون أشقاه الله بماله.

ولذلك ذكر لي الوالد رحمه الله قصةً عجيبة، يقول: قامت الحرب العالمية فجئت ذات يوم والطعام قد أصبح شغل الناس، حتى إنه بيع بيت في ساحة المدينة بكيس أرز، نسأل الله ألا يبتلينا بمثل تلك الأيام.

الشاهد على هذه العبرة العظيمة يقول: تاجر دخلت عليه عند قيام الحرب -وكان قد اشترى سفينة من الأرز- فجاءه الخبر أن الأرز قد ارتفع وأنه غلي سعره في السوق، فمن شدة الصدمة خر ميتاً من فوق كرسيه، ثم مرت الأيام تلو الأيام واحتجت أن أشتري أرزاً عند انتهاء الحرب، فوقفت على تاجر أيضاً قد اشترى سفينة من الأرز وجاءه الخبر أن السوق قد كسد، فسقط ميتاً من ساعته، فسبحان الله!! أحدهم عند غلاء السوق والثاني عند كساده، ما نفعت الأموال ولا نفعت التجارات، الأموال والتجارات إذا لم تقرب من الله عز وجل فلا خير فيها.

إن أيام البلايا التي تكثر فيها التضرع لله عز وجل إذا كشفت كرباتها تتمنى أن تعود لك تلك الأيام التي كنت تناجي فيها الله عز وجل من حلاوة المناجاة وحلاوة مناداة الله عز وجل، هذا كله هو السعادة الحقيقية، فالبلاء الذي يصيب المؤمن يصيبه في الظاهر أما الباطن فلا يصيبه؛ لأن قلبه مع الله ويقينه بالله.

ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهبنا وإياكم اليقين، وأن لا يبتلينا بشيء لا نطيقه، وأن يجعل بلاءنا وإياكم في السراء والشكر عليها، وأن يجعلنا من الشاكرين والله تعالى أعلم.