للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصية لصاحب القلب القاسي]

السؤال

أنا شابٌ مبتلى بقسوة القلب ولا أستطيع القراءة في الكتب النافعة، ولا تدري -حفظك الله- مدى تأثير ذلك عليَّ، فأنا أتمنى أن أكون من أهل العلم ولكن لا أستطيع، فلعلك من الرحمة بي أن تدلني على ما أسأل الله أن ينفعني به، ولك مني الدعاء، ومن الله المثوبة بإذنه؟

الجواب

باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فأما ما سألت عنه أخي في الله! من قسوة القلب: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:١١] والله لا يظلم العباد شيئاً، فأوصيك أخي في الله أن تنظر فيما بينك وبين الله، فقد يبتلى الإنسان بقسوة القلب بصلاةٍ أضاعها، أو زكاةٍ منعها أهلها، وقد يبتلى بقسوة القلب بأمٍ عقها أو أختٍ قطعها.

وأوصيك أن تتفقد ما بينك وبين عباد الله من الحقوق والواجبات، فإذا أديتها فابشر برحمة الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:١١].

فأوصيك أن تتفقد أول ما تتفقد: حقوق الله عليك، وحقوق الناس وحقوق الأقربين خاصة، فإذا وفقك الله ببر والديك وإدخال السرور عليهما، وكذلك صلة رحمك، فإن الله يرحمك: (إني أنا الله، خلقت الرحم اشتققت لها اسماً من اسمي، فأنا الرحمان وهي الرحم، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته) فقد تكون هناك عمة لا تصلها وتصاب بقسوة القلب، وقد تكون هناك أخت محرومة من زيارتك، فتكون قطيعتها سبباً في قسوة قلبك، وما من إنسان يجد في نفسه أثر ذنب فيحس أنه مقصر فيبحث عن سبب ذلك إلا وفقه الله ودله على الذنب الذي بينه وبين الله أو بينه وبين عباده.

ثم أوصيك أخي في الله! إذا قسى قلبك أن تكثر من ذكر الآخرة، وأن تصور نفسك وكأنك في القبر وضجعته، أو في الحساب وشدته، أو على الصراط وكربته وزلته، صوِّر نفسك في مشاهد الآخرة، فإنها تكسر القلوب إلى الله، وأكثر من عيادة المرضى والنظر في أحوالهم حتى يلين قلبك، وأكثر من زيارة المقابر، وعُدَّ نفسك كأنك ذلك الرجل الذي دل إلى قبره، فإذا أحيا الله قلبك إلى مثل هذه المشاهد فقم لطاعته واستجب لرحمته، وأسأل الله بعزته وجلاله أن يكتب لك ذلك.

ثم أوصيك وأكرر الوصية أن تكثر من الابتهال والدعاء لله سبحانه وتعالى أن يكسر قلبك بالرحمة؛ فإن الله تبارك وتعالى كريم جواد لا يرد سائله: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) فنحن في ضلال إلا أن يهدينا الله، فلست أنا بالذي أهدي ولا بالذي يقوم على نفسه أو يقوم ببناية نفسه على الخير، إلا إذا هدى الله ووفق، فاستهدِ الله يهدك إلى الرحمة وإلى أبوابها وأسبابها ويجعلك من أهلها.

وختاماً أوصيك أن تبحث عن قرين صالح تكن معه دائماً، لعل الله أن يحيي قلبك بصحبته.

والله تعالى أعلم.