للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف النفاق وأنواعه وحكم صاحبه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله ويعبد غيره، ويظهر الإسلامَ في العلانية، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه فهو منافق)، على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها].

المنافق هو: الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، وهم الذين: {َإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:١٤]، والذين: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:١١] هؤلاء هم المنافقون، وإنما فعلوا ذلك تستراً أو ستراً لعقائدهم، والأصل أنهم يريدون بذلك أن يأمنوا مع هؤلاء ومع هؤلاء، يقول تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [النساء:١٤١] أي: أعطونا من الغنيمة فنحن معكم {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} [النساء:١٤١]، أي: نصر، {قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:١٤١]، فهم مع المؤمنين في الظاهر ومع الكفار في الباطن، وهذا هو أصل النفاق، ومثل هذا يقال له: النفاق الاعتقادي.

وأما النفاق العملي فهو المذكور في هذا الحديث: (أربع من كن فيه كان منافقاً)، وفي الحديث الآخر: (آية المنافق ثلاث) فهذه الخصال تسمى نفاقاً عملياً، ولكنه من علامات النفاق الاعتقادي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(ثلاث من كن فيه فهو منافق) على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومثل: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، ومثل: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، ومثل: (من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، ومثل: (كفرٌ بالله تبرؤ من نسب وإن دق)، ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ، فإنا نسلم له وإن لم يعلم تفسيرها، ولا نتكلم فيها، ولا نجادل فيها، ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت، لا نردها إلا بأحق منها].

هذه الأحاديث استدل بها الخوارج على تكفير العصاة، ويقولون: إن المعصية الكبيرة تُخرج من الملة وتُدخل في الكفر، ويحكمون على أهل المعاصي وأهل الذنوب والكبائر بأنهم مخلدون في النار، ويستدلون بهذه الأحاديث مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وكذلك أحاديث علامات النفاق كقوله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر).

وفي رواية: (وإذا اؤتمن خان).

ومعلوم أن هذه الخصال لا تخرج من الملة، فليس خلف الوعد -مثلاً- مخرجاً من الملة، وليس نفاقاً صريحاً، يعني: اعتقادياً، وكذلك الخيانة وما أشبهها، ولكنها من الذنوب ومن كبائر المعاصي.

فالعبد إذا سمع مثل هذه الأدلة يعرضها على الكتاب والسنة، ويقول: نقبلها، ولكن لا نقول: إنها مخرجة من الإسلام، وإن من عمل بها فإنه ليس بمسلم، بل أمره إلى الله تعالى.

ومثله: (برئ من الإسلام من تبرأ من نسب وإن دق) ومثله: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، كل ذلك من أحاديث الوعيد.

وأحاديث الوعيد تُجرى على ظاهرها؛ ليكون أبلغ في الزجر، مع الاعتقاد أنها لا توصل إلى الخروج من الملة، فلا نقول: إن هذا قد كفر وخرج من الإسلام بهذا الذنب، بل نقول: عمله عمل كفر وأما هو فلا يكون كافراً، ففرق بين العمل وبين العامل، فالعمل قد يكون من أعمال الكفار أو من أعمال المنافقين ولا يلزم أن كل من عمل هذا العمل يخرج من الإسلام ويدخل في الكفر، بل أمرهم إلى الله تعالى، ونحثهم على التوبة والرجوع إلى الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>