للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إقامة الصلاة عند المؤمنين وصفة صلاة الكافرين]

ثم قال تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [المائدة:٥٥] وإقامة الصلاة: أن تأتي بها على الوجه الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمها، بأن يأتي بأركانها وواجباتها ومستحباتها، لا يخرج عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن تمام إقامة الصلاة: الذل لله تبارك وتعالى، وهذا الذل يظهر في وضع اليمنى على اليسرى، وهي علامة الاستسلام؛ لأن معنى وضع اليد اليمنى على اليسرى يشير إلى التكتيف كالمقيد، والإنسان المقيد لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فكأنما كبل نفسه اختياراً بين يدي الله، كأنما قال: أنا ذليل وعلامة ذلي تكبيل يدي (وضع اليمنى على اليسرى) ثم النظر إلى الأرض، والنظر إلى الأرض ذل، وهو علامة الخشوع؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذين يرفعون أبصارهم إلى السماء حال الصلاة: (يوشك أن تخطف أبصارهم)، الإنسان إذا نظر إلى السماء وشمخ بأنفه لِمَ تشمخ بأنفك وأنت في موقع الذل؟! كل هذا من إقامة الصلاة، وهذه هي صلاة المؤمنين.

حسناً: كيف كانت صلاة هؤلاء الجبابرة العتاة الذين سقطوا من عين الله تبارك وتعالى؟ قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنفال:٣٥] (مكاءً): أي: صفيراً، (تصدية): هي التصفيق بالأيدي، هكذا كانت صلاتهم، وهذا أقرب إلى اللعب منه إلى الخشوع، إن هذا لا يليق بمكان البيت ولا بشموخ البيت: أن يطوفوا حوله يزعمون أنهم يصلون، وفوق ذلك كانوا يطوفون عراة، ويقولون في ذلك: (لا نريد أن نطوف بثياب عصينا الله فيها)، فانظر إلى هذا الورع البارد! ثياب خلعوها وقلوبهم مفعمة بالشرك، ومفعمة بالكفران، ومع ذلك لا يطوفون بها، وما خطر لهم أن يخلعوا الشرك من القلب، إنما اكتفوا بخلع الثياب.

وهكذا تجد الأمم المتدنية تأخذ من الالتزام الشكل دون الجوهر، يعمرون المساجد بالقرآن، وينقلون القرآن، وشعائر الصلاة بمكبرات الصوت، وفي أيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم ينصبون السرادقات والاحتفالات، لكنهم أبعد الناس عن الاتباع، ولا جوهر في الحقيقة.

طرق الصوفية في أيام مولد النبي عليه الصلاة والسلام يأخذون الدفوف ويعقدون الرايات، ثم يغنون ويصفقون ويتمايلون، وهذا هو حقيقة المكاء والتصدية، يضربون بالدف في يوم مولده وهو الذي حرم الدف على المؤمنين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فالدف من جملة المعازف، ويقول: (يستحلون) إشارة إلى أنها كانت محرمة فاستحلوها، فانظر إلى هذا التباين العجيب: يحتفلون بذكرى مولده بما حرمه عليهم!! فأنى ينصرون؟! الأمم الذليلة هي التي تأخذ بظاهر الدين.

خطبة في مولد النبي عليه الصلاة والسلام، كلهم يقولون: الرسول عليه الصلاة والسلام بعث رحمة للعالمين فأين أثر هذا عليكم؟ أين أثر هذا على السلوك العام؟! التوجه العام أن يسب الله، وأن يسب النبي صلى الله عليه وسلم في ديار المسلمين، ولا يصادر كتاب إلا بحكم قضائي، والحكم القضائي يأخذ فترات طويلة، ويقوم شياطين الإنس فيأتون بثغرات القانون، ولا تستطيع أن تصل إلى إنصاف الله ورسوله من العباد إلا بعد جهد كبير، وربما تكون القضية قد ماتت، وتكون المظاهرة الجماهيرية ذهبت أيضاً واختفت.

اليوم هل يشعر أحد بما تعانيه الأرض المحتلة الآن كشعوره الذي كان قبل عشرة أيام؟ وسائل الإعلام كتمت الموضوع، ولم تعد الجرائد تأتي بها في صدر الصفحات، ولم يعد الصحفيون يتكلمون كلاماً تفصيلياً ولا النشرات، بل كلام مجمل مقتضب، نحن الآن شعرنا كأن الوضع سكن، مع أنه في غاية الاشتعال، بل هو أشد مما كان عليه وهكذا، فهؤلاء المشركون إنما ابتدعوا لأنفسهم صلاة، فهم في الحقيقة ما أقاموا صلاة.