للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على الآراء الشاذة سبب في إشاعتها]

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

إن الأصول التي ما اختلف عليها أحدٌ قط من أهل العلم، ولا من العوام، كثرت اليوم الآراء التافهة التي تتناولها، فكثر الكلام في الدين، والطعن فيه، أَوَ كلما قال رجلٌ رأياً تافهاً رددنا عليه؟ كان ينبغي أن لا يرد عليه حتى يموت قوله، لكن المشكلة أنه كلما قال رجل قولاً تافهاً قامت الصحافة والجرائد وأشاعوا هذا القول، وبعد ذلك يقولون: نريد من أن أهل العلم أن يردوا عليها، نريد من أهل العلم أن يقولوا قولهم في الموضوع، مع أنه قول تافه، ليس له قيمة، وما ينبغي أن يلتفت إليه، مثل ذلك الرجل الذي يقول: إن القرآن لم يحدد أن يوم عرفة هو يوم تسعة من ذي الحجة، وأن الله عز وجل قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:١٩٧] أشهر الحج: شوال، وذو العقدة، وعشرُ ذي الحجة، أي: سبعون يوماً، أو أقل بيومين تقريباً، على حسب الرؤية.

إذن بدل من أن يتزاحم خمسة أو أربعة ملايين يقتل بعضهم بعضاً عند الجمرات، أو في طواف الإفاضة، أو طواف الوداع، أو في النفرة من عرفات، فبالإمكان أن نقول: في شهر شوال يحج أهل البلاد الفلانية، وفي شهر ذي القعدة يحج أهل البلاد الفلانية، وفي شهر ذي الحجة يحج أصحاب البلاد الفلانية، وبهذا نتغلب على مسألة الزحام، فبالتالي الذين سيحجون من واحد شوال إلى عشرة شوال يكون يوم عرفة بالنسبة لهم تسعة شوال، ويوم العيد عشرة شوال، وبهذا يكون هناك أكثر من يوم عرفة، وهناك أكثر من يوم نحر! كل هذا لنتغلب على مشكلة الزحام في الحج، مثلما حصل في تونس سنة (١٩٦٤م) حيث صدر قرار -لكن لم يعمل به- بنقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد، هي اسمها: صلاة الجمعة، من أجل يوم الجمعة فهذا قال لك: لا، إن يوم الأحد هو يوم العطلة الرسمية، فنجعل الصلاة فيه؛ لأن يوم الجمعة يذهب الناس لصلاة الجمعة فيتعطلون عن الإنتاج ساعة! فلم يقول هذا الكلام؟ يقول: إن القرآن لم يقل لنا: إن يوم عرفة يوم تسعة ذي الحجة، وأن يوم العيد كان يوم عشرة، لم يرد هذا في القرآن، وإنما جاء في السنة وفيها أحاديث مكذوبة كثيرة؛ فهذا لعله من المكذوب، فنحن نعرض -بدل ما نختلف هل هو صحيح أو ضعيف؟! - عن الكلام هذا، وننظر إلى مصلحتنا! هناك شخص اقترح اقتراحاً وهو: أن بدل الزحام الذي يكون حول الكعبة نقوم بإيجاد آلة سريعة يركب الناس عليها بذلك يكونون قد طافوا الأشواط السبعة في دقيقة واحدة، ويكون الجماعة الذين يركبون آلة السير قد طافوا طواف الإفاضة، وطافوا طواف الوداع، أو طواف القدوم، أو طواف العمرة في لحظات، وينزلون ويأتي غيرهم وانتهى الأمر! الآن هذا الكلام نحن نستخف به، لكن قد يصدر فيه قرار فيما بعد، مثلما نسمع بأن هناك دعوى بتدويل الحرمين، يعني: لا تكون الدولة السعودية هي التي تتحكم فيه، وإنما كل دولة تتحكم في الحرمين سنة، وهكذا.

وكل كلام قد يقال هزلاً في يومٍ من الأيام، ربما يصير حقيقة مع انتشار الجهل وغياب العلماء الربانيين، قبل عشرين سنة قرأت عن الدولة البترولية الجديدة، وصار هذا الآن مشروعاً يريدون تحقيقه، وإن لم يستيقظ المسلمون ربما تحقق.

ما هي الدولة البترولية الجديدة؟ قال لك: هي عبارة عن دائرة تشمل المنطقة الشرقية السعودية، وجزء من العراق، وجزء من الإمارات، وجزء من الكويت وهي عبارة عن الدائرة التي يوجد فيها البترول، فليس معنى أن (البترول) في أرضك أنك تتحكم في الناس لا، وإنما النظام العالمي الجديد سيهيمن على هذه البقعة ويجعلها دولة حيادية، يقول لك: الدولة البترولية هذه ليست خاضعة لأحد، هذه حق للعالم، وأنا أبوكم (أي أمريكا) فأنا الذي أوزع عليكم التركات، إذا كنت محتاجاً لبرميل نعطيك برميلاً، تحتاج برميلين نعطيك برميلين، وانتهى الأمر، لكن ليس معنى أن (البترول) في أرضك يكون ملكك! الكلام هذا منذ عشرين سنة وهو مكتوب، وبعد حرب الخليج بدأ يطرح نفسه بقوة، أنه لابد من التحكم في مصادر الطاقة في العالم؛ لأنها ليست ملكاً لمن هي في أرضه.

هذا كان رأياً ربما قرأه قارئون في ذلك الزمان، فتمططوا ومطوا شفاههم استهزاءً، فأي رأي خطير ربما -مع غلبة الجهل واستدارة الزمان- يكون حقيقة.

الآن يقول: يوم عرفة لم يرد في القرآن أنه يوم تسعة، إذاً نقول له: فأين السنة العملية التي أجمع أهل العلم عليها، بل وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، وبدأ الحج في يوم ثمانية، وختمه في يوم ثلاثة عشر؟! فلا يحل لأحدٍ أن يقول: إن الحج يبدأ يوم سبعة، ولا يوم ستة، ولا يوم تسعة، بل هو كما وقَّته رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان يخطر ببال أحدٍ أن يقول رجل مثل هذا الكلام؟! حسن رجل قال هذا الرأي الخطير، وصار يطرح كقضية للمناقشة، ثم يقال لعلماء الدين: ردوا عليه، فيشغلون العلماء بأمور مقطوع بها ومستقرة، متى يصل الإنسان إلى الغاية، إذا كان كلما نادى عليه منادٍ في الطريق وقف له ورد عليه فمتى يصل؟! يا إخوان! لقد بدأت الأصول ينظر إليها ويشكك فيها، الذي لم يكن يخطر على بال أحد في يوم من الأيام أن يناقش فيها، بدأنا نتناقش فيها، وفي هذا حيدة ولفت لأهل العلم عن القضايا الخطيرة التي ينبغي أن يعلموها الجماهير، وإشغالهم بهذه المناقشات التي لا طائل تحتها، كونها معروفة عند الجميع.

إن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته كثيرة، وهذه الخطبة مقدمة لسلسلةٍ هي: (حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته) ما هو هذا الحق، وما الذي ينبغي أن يفعله المسلم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا وإياكم على تحقيق الشهادة، وأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو مصدر التلقي بالنسبة لنا نحن المسلمين.

قال ابن مسعود: كنا ضلالاً فجاءنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلمنا أننا لا نستقل بمعرفة مراد الله تبارك وتعالى إلا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة أزكى الناس، وكانوا أفهم الناس للمعاني والألفاظ، ومع ذلك (لما نزل قوله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] شق ذلك عليهم، وقالوا: يا رسول الله! أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال: ليس كما تفهمون، ألم يقل العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]؟ فهذا هو الظلم).

قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:٨٢]، العرب فهموا الآية على مقتضى أساليب العرب، إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، فالنكرة كلمة: (ظلم) - (نكرة) يعني: غير محلاة بالألف واللام- وأيضاً هذه النكرة منفية: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ)) (لم) هذه نافية، هذه النكرة منفية تفيد العموم، يعني: أي ظلم مهما دق ومهما كان صغيراً، يؤاخذ المرء به فهذا الذي فهمه الصحابة.

لذلك جاءوا وقالوا: (أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟) فصحح لهم النبي صلى الله عليه وسلم مراد الله عز وجل، حين قال: (ألم يقل العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣])؟ فهذا هو الظلم المقصود من الآية، فنحن لا نعرف مراد الله عز وجل، ولا ما يحبه الله، ولا ما يبغضه، إلا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.

اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.

رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.