للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فقه البراءة من الكفار]

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، {يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب:٤]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

روى الإمام النسائي في سننه أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا رسول الله! ابسط يدك فلأبايعك، واشترط علي فأنت أعلم -من العهود والمواثيق-.

قال: تبايعني على ألا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح للمسلمين، وتفارق المشركين)، فتأمل هذا! مفارقة المشركين ضرورة، ومن غير المتصور على الإطلاق بأي مذهب على وجه الأرض أن توالي عدو حبيبك وتزعم أنك تحبه! أو تقول: أنا أكرهه، ثم تبسط يدك إليه بالود! فأنت عندما تحب الله عز وجل؛ تكره أعداءه بتلقائية، بدون مجهود، و (تفارق المشركين).

لقد كانت جناية الطابور الخامس على أمتنا جناية عظيمة الأثر، بالغة الخطر، لا زلنا نتجرع مرراتها حتى الآن.

والعجيب: أن كل خائن وصل إلى قمة الهرم كيف؟ لا أدري! وكأن من مسوغات ارتقاء الهرم أن تكون خائناً! وكلما بالغ المرء في الخيانة كلما واصل ارتقاءه.

وقد قرأت منذ أيام في مذكرات أحمد لطفي السيد، الذي لقبوه بأستاذ الجيل، ونزل هذا الكتاب بخمسة وعشرين قرشاً في وقت كان أسعار الورق فيه مرتفعة، وأسعار الكتب في الذروة، ولكن هذا الكتاب كان مدعوماً، وقد كتب عليه في أعلى الغلاف (المواجهة) ومن تحت (التنوير) وعلى غلاف الصفحة الأخيرة مذكور: لماذا تنشر هذه السلسلة بهذا الثمن الرخيص؟! قال لك: لأن الإرهاب سيحطم كل الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما إلى ذلك، فأحببنا أن نواجه الإرهاب بالتنوير.

في هذا الكتاب تحت عنوان (الجامعة الإسلامية) في أيام اللورد كرومر، وعندما كان الإنجليز يحتلون مصر، ظهرت فكرة إنشاء جامعة إسلامية في مواجهة الإنجليز لتحرير البلد، فلما نطق بهذه الفكرة بعض الصحفيين على صفحات الجرائد آنذاك؛ هاب الإنجليز والغرب ذلك، فبعثوا يسألون عن حقيقة هذه ما الجامعة الإسلامية، فانبرى أستاذ الجيل يفند وينفي بقوة قلب وجرأة جنان أن يكون هناك أي فكرة للجامعة الإسلامية، وقال: هذا تفكير ساذج لصحفي كاذب.

كل هذه آثار ينبغي أن يكون المسلم عالماً بفقه البراءة منها؛ لأن من أسباب عدم ظهور هذه الشعيرة العظيمة: الجهل، ووضع الضعيف في مكان القوي، والقوي في مكان الضعيف.

ونحن نعلم أن الخوارج لما وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام -في صحيح البخاري- قال: (يدعون أهل الأوثان، ويقتلون أهل الإسلام) مثلاً: أنت مختلف مع واحد في مسألة، القنوت في الفجر -مثلاً- أبدعة هي أم لا؟ أو مسألة رفع اليدين في دعاء الجمعة بدعة أم لا؟ هذه المسائل الفرعية، مسألة أن الجماعة الفلانية مبتدعة أم لا، مسائل كهذه يهجره بسببها، ويصير جاره النصراني يقول له: صباح الخير، وصباح الفل، ويضحك في وجهه، وأول ما يرى أخاه يتجهم وهذا من أسلوب الخوارج، (يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان).

فتعاملك مع الناس يجب أن ينبني على أساس الدين، وبالتالي فإن هجرك لأصناف الناس يجب أن يكون وفق العقيدة التي يعتقدها كل صنف، فالمبتدع له نمط، والعاصي له نمط، والكافر له نمط، الرسول عليه الصلاة والسلام قال -كما في صحيح مسلم-: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ضيق عليه، وهذا حديث في صحيح مسلم، أين ذهبت هذه الأحاديث؟!