للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة الإحساس بالخطأ]

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

إن بعض المسلمين يفكرون تفكير هذا اللص الحميري الذي قال يوماً: إني لأستحيي من الله أن أُرى أُجرجر حبلاً ليس فيه بعير وأن أسأل النكس الدنيء بعيره وبعران ربي في البلاد كثير يقول: لم أسأل الدنيء بعيره وأستعيره منه وأقترضه لأقضي عليه حاجتي، وبعران ربي كثيرة في البلدان، أسرق منها ما أشاء؟! فبعض المسلمين يفكرون بعقلية هذا اللص إما جهلاً وإما تجاهلاً، ونعوذ بالله عز وجل أن نكون من أهل هذه الآية: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤] فلو أنه في يوم من الأيام تفطن لخطئه لعدل، لكنه يحسب أنه يحسن الصنع؛ فلذلك لا يمكن أن يرجع، وإن حاولت أن تقنعه لا يرجع؛ لأنه يظن أنه من المحسنين، وهذا ما يشير إليه بعض الباحثين بقولهم: (نعمة الألم)، فالألم من أجل نعم الله على العبد؛ بخلاف ما يتصوره بعض الناس؛ مثلاً: إن جاءك (مغص) شديد؛ فهذه نعمة؛ ولعل بعضكم يقول: وما وجه النعمة وهو ألم؟! فأقول انظر إلى الأمراض الفتاكة كالسرطان مثلاً، إنه ينهش في جسم المريض ولا يشعر المريض بالألم؛ فالألم إنذار؛ فلذلك يبادر الإنسان إلى الطبيب فيأخذ العلاج، ويمكن له أن يتدارك المرض من أوله، بخلاف ما إذا سرى المرض في جسم العبد، وهو لا يدري أنه مريض، حتى إذا شعر بالألم كانت القاضية، فنعمة الألم هذه كنعمة الإحساس بالغلط، ولذلك يقول الأطباء: (إن أولى درجات العلاج هي الاعتراف بالمرض) أن تعترف أنك مريض هذه أولى درجات العلاج أما أن تكابر فأنت وشأنك.

فهؤلاء الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، منع الله عز وجل منهم نعمة إدراك الغلط، وقد حسن لهم الشيطان أعمالهم فهم: {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٤] انظر مثلاً: إلى هذه الصفوف عندما تقام الصلاة، هل المسلمون يحسنون تسوية الصفوف؟ إنه مما يؤسفني أن أقول: لا.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تختلفوا -أي: في الصف- فتختلف قلوبكم) لماذا تدخل في هذه الصلاة ثم تخرج منها وليس بينك وبين أخيك رابط؟ إنك لا تقف معه كالبنيان المرصوص، رجل بجنب رجل فقط، وقد قال عبد الله بن مسعود: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث يُنادى بهن، ولقد رأيتنا ما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد رأينا الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف أي: يُحمل بين الرجلين؛ لأنه لا يستطيع أن يقف على قدميه.

فانظر إلى هذا الذي يُهادى بين الرجلين يُحمل حملاً، كي يأتي إلى هذه الجماعة، حتى يدرك جلال هذه الأخوة.