للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطورة موالاة اليهود والنصارى]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فإن موسى عليه السلام لما قتل الفرعوني قال: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص:١٥]، كل عدو مضل لكن ليس مبيناً، لكن صفة الإضلال صفة أساسية ورئيسة في العداوة، من ظن أنه سوف يأتيه نفعاً من عدوه فهو سادر في أودية الضلال، والذي يعتمد على عدوه أشد منه ضلالاً.

فربنا تبارك وتعالى قد حذرنا وخالفنا أمره، خالفنا تحذيره، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:١١٨ - ١٢٠] كلام واضح غاية الوضوح {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:١١٨] أي: من سواكم، إذاً: لا يأتي من مخالفك في المذهب خير، سواء كان كافراً، أو كان فاسقاً، أو مبتدعاً لا يأتيك منه خير، قال تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران:١١٨] يعني: لا يقصرون في إفسادكم، الخبال يعني: الفساد (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) أي: ودوا من قلوبهم لو وقعتم في العنت.

فأفواههم ما بين الحين والحين تظهر هذه البغضاء؛ لكن لأن الحرب خدعة والحياة مكر فهم لا يستطيعون أن يخرجوا ما في صدورهم على ألسنتهم، إنما يخرج لبداً، وما تخفي صدورهم أكبر، فهل هذا الكلام العربي المبين واضح أم غامض؟ يقول تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ} [آل عمران:١١٨] وما من آية إلا وهي واضحة، لا يسمى الشيء آية إلا إذا كان واضحاً: (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ) فهو كلام عربي واضح: (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).

ثم ذكر ربنا تبارك وتعالى نماذج للمفارقات بيننا وبينهم، وأنهم لا يستحقون منكم أن ترفعوا لهم رأساً، بل انبذوهم نبذ النواة، ولا ترفعوا لهم رأساً لماذا؟ لأن هناك تبايناً بينكم وبينهم: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ} [آل عمران:١١٩] وهم بالمقابل لا يحبونكم، {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران:١١٩]، ولم يذكر: (ويكفرون بكتابكم)؛ لأن هذا الإضمار فيه وضوح، إنما صرح في الأولى لأن كل شيء يبني على الحب والبغض، ما من حركة في الكون أو سكنة إلا يتبعها حب أو بغض: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ} [آل عمران:١١٩] فإذا كانوا يكرهونكم فالإضمار أقوى وأبلغ.

{وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران:١١٩] لا يقول: ويكفرون بالكتاب كله؛ لأنه واضح، إذا فارقناهم في المحبة فكل شيء يأتي بعد المحبة ضرراً علينا، فيكون الإضمار أقوى من التعريف.

كما قال ربنا تبارك وتعالى في قصة يوسف لما نادى على صواع الملك: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف:٧٤ - ٧٥] هذا أقوى من أن يقال: يسجن، يعاقب، يجلد، {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف:٧٥] أي: ما خطر ببالكم عقوبة له يستحقها.

فإضمار الجزاء أقوى من تعيينه، كذلك إضمار تكذيبهم للكتاب أقوى من تعيينه، لاسيما بعدما ذكر التباين في المحبة: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ} [آل عمران:١١٩]، هذه الآيات في غاية الوضوح، أنه لا يأتيك من عدوك نفع على الإطلاق، وذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآيات نزلت في اليهود، وما ندري والله ما الذي يجري، فألسنتهم تنطق بالسوء، هذا واضح غاية الوضوح: {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨] ونحن نعلم، ومع ذلك عز علينا أن نقول مثل ما قال الشاعر العربي -لما حدث بين قومه وبين آخرين موادعة ومهادنة، وكان الآخرون يعتدون عليهم، فاتفقوا أن يفتحوا صفحة جديدة، فإذا بهؤلاء يغدرون مرة أخرى، فقال هذه الأبيات التي اختارها أبو تمام وأودعها في ديوان الحماسة، ثاني قطعة في هذا الديون الكبير، وهي أبيات يصح أن أقول فيها: إنها شعار المرحلة، يقول: صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ عَسَى الأَيَّامُ أنْ يَرْجعْنَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا لكنهم لئام، فرجعوا مرة أخرى ونقضوا العهود، قال: فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ شر صريح وواضح، وعريان، غير مستتر، ولم يبق سوى العدوان، لا نقول: نحن مصرون على السلام، ولابد من السلام، ولابد من دفع عجلة السلام لا وَلَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَانِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَان بِضَرْبٍ فِيهِ تَوْهِينٌ وَتَخْضِيعُ وإقْرَانُ كل هذه مشيات للأسد.

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدَا وَالزِّقُّ مَلاْنُ الزق: قربة من جلد، إذا كانت ملآنة ونخستها بإصبعك يفيض الماء، يريد أن يقول: كفى فقد بلغ السيل الزبى، هذا معنى الكلام وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدَا وَالزِّقُّ مَلآنُ وَبَعْضُ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ لِلذِّلَّةِ إذْعَانُ مثل أن يضرب شخص شخصاً آخر فيقول المضروب: الله يسامحك، فيضربه مرة ثانية، فيقول: الله يسامحك، يظل يضربه مائة مرة وهو يقول: الله يسامحك، لا، هذا اسمه: إذعان وخضوع واستسلام، ولا يجوز أن يقال: حليم، إنما يقال: ضعيف، سموا الأشياء بمسمياتها حتى لا ينخدع الناس، لا تقل: هذا حلم، قل: هذا ضعف.

وَبَعْضُ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ لِلذِّلَّةِ إذْعَانُ وَفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِينَ لاَ يُنْجِيكَ إِحْسَانُ مددت يدك مرة واثنين وعشراً وعشرين ومائة ومع ذلك فهو لئيم، يضرب اليد التي امتدت إليه للسلام، لم يبق إلا الشر، هذه هي سمات العدو، وهذه هي طريقة الرد على العدو.