للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انتشار التعامل بالربا في كل شيء]

ثم إنهم سهلوا مسألة الشراء بطريقة اليهود الرهيبة بتسهيل أكل الربا، هناك كرت يحوز عليه الإنسان الأمين من وجهة نظرهم، الكرت هذا تتفاوت أسعاره من مائة ألف دولار إلى مائتين وخمسين ألف دولار إلى خمسمائة ألف دولار إلى مليون دولار، الكرت هذا بمقتضاه تدخل تشتري ما تشاء، ممكن تشتري بمائة ألف وتخرج ولا تدفع قرشاً واحداً، إلا أنك تريهم الكرت فيأخذون رقمه، ويعرفون عنوانك، وتدفع كل شهر قسطاً على حسب المشتريات، فمثلاً لو تأخذ بمائة ألف دولار تدفع مائتين دولار في الشهر، أو ثلاثمائة أو خمسمائة دولار، فمثلاً لو أراد شخص أن يشتري بمائة ألف بضائع، يدفع خمسمائة دولار في الشهر وإلا فلا.

طبعاً لما يأخذ بهذا المبلغ عليه فوائد، فيظل هذا الإنسان يقضي فوائد الديون فقط؛ لأن المائة ألف دولار فوائدها كم؟! فأنت عندما تدفع خمسمائة دولار في الشهر، فهذا جزء من فوائد الديون، والديون على حالها، والجزء الباقي من الأرباح يتراكم على رأس المال على الدين الأصلي، في الأخير تجد نفسك قد أفلست وحجزت أموالك لقضاء دينك، وربما لا تكفي.

فتخيل لما يكون هذا الكرت مع شخص تعرفة، ولما تذهب تزوره إلى أمريكا تجده يركب أفخم سيارة في أمريكا؛ لأنها بدون مقابل!! لديه كرت بمليون دولار مثلاً، يدخل يشتري سيارة -مثلاً- بثلاثمائة ألف دولار، والسيارات هناك رخيصة جداً، فالسيارة الفولفو مثلاً -التي يسمونها عندنا الفلفل- هذه بألفي دولار، سيارة موديل (٩٧) بألفي دولار.

فلما تذهب وترى صاحبك -الذي كان هنا فقيراً- تجده يركب سيارة فخمة جداً، وتدخل مسكنه فتجده ساكناً في شقة فيها كل الكماليات تقول ما هذا؟ هذا يجد المال كالتراب، فكل الناس يأخذون فكرة مغلوطة، يظن أحدهم أنه لو ذهب إلى هناك فسيكون غنياً، لكن هذا الإنسان يعيش بالربا، هذا الإنسان يتمتع بالربا، ووجد نفسه مبسوطاً وميسوراً، وبعضهم قال: هذا شيء عادي جداً جداً، أول ما أحس أني متورط سأركب طائرة وأتوجه إلى مصر، ليست مشكلة، وهم كما قال: (يخرج من المولد بلا حمص)، ونكون هكذا قد ضحكنا عليهم! وأخذنا حقنا، هم يأخذون حقهم من الحكومات، ونحن نأخذه من الحكومات أيضاً، هم لصوص ونحن لصوص، لا أحد أحسن من أحد، هم يسرقون الدول ونحن نسرق أفراد، نحن بهذا أفضل الناس! هذا منطق الأخ الذي كان يكلمني، ما الذي غير هذا المنطق وجعله يستحل الأكل بالربا؟ الفقير ليس محروماً كما يتصور بعض الناس، يمر مثلاً على محلات العصير يشرب عصير قصب، والمانجو معلق لم ينتبه له، ولم يخطر بباله شرب المانجو مثلاً، فهذا هو الغني، لا تقل هو فقير، أنت تدخل تشرب مانجو وتنظر إليه يشرب عصيراً تقول: الحمد لله الذي متعنا، وأعطانا الذي نشتهيه.

وأعطاه الذي يشتهيه أيضاً، فأنت قد استويت معه، لكن أنت دفعت ثمناً غالياً فقط، هكذا تحسب المسألة.

مثلاً: وقع لشخصين حادث، أحدهما يركب سيارة -مرسيدس العيون- والتي يقدر ثمنها بثلاثمائة ألف، طبعاً بثلاثمائة ألف رخيصة رخص التراب؛ لأنها صنعت هنا، لما جيء بها من ألمانيا كانت بخمسمائة وخمسين ألفاً، فلما دخلت فيها إضافات مصرية والعجلات المصرية، نزلت النزلة الكبيرة هذه.

المهم: السيارة اصطدمت بسيارة أجرة (١٣١)، من التي عجلاتها تدق وهي تمشي، طبعاً السيارة الثانية مازالت نظيفة وبعافيتها، والأخرى منتهية، فالذي حدث أن (الفوانيس والشبكة والكبود والرفرف)، وكل مستلزمات السيارة الشبح هذه دمرتها السيارة الأخرى، فنزل صاحب السيارة الأجرة يولول، فقال صاحب (الشبح): أنت تولول لماذا؟ أنت لديك سيارة لا تساوي شيئاً، المفروض أني أنا الذي أحزن! فكان رده عليه أن قال له: أنت بإمكانك أن تشتري غير هذه السيارة، لكن سيارتي هذه هي كل ما أملك، هي لا تساوي عندك ثمن عجلة، ولا تساوي عندك قيمة الباب، لكن هذه كل ما أملك، هذا كل رأس مالي! فمسألة رأس المال والغنى والفقر تؤخذ بهذا الاعتبار، لا يقال: إن الإطار بثمن السيارة، نعم، أنت بإمكانك أن تشتري سيارة كاملة، لديك مال، لكن أنا لا أستطيع، فمسألة الغنى والفقر على غير ما يتصوره الناس.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس) هذا هو الحساب الصحيح.

سألت إخواننا في المؤتمر -مؤتمر القرآن والسنة- سؤالاً وأنا أتكلم عن الطبقات وبناء المساجد، فقلت لهم: رجل معه عشرة دولارات في جيبه تصدق بدولار، كم بقي؟ قالوا كلهم: تسعة -وأكيد أنتم تعرفون هذا الحساب- قلت لهم: لا، خطأ، وسأعطيكم مهلة لكي تفكروا، فلم يستطع أحد منهم أن يصل إلى الجواب الصحيح.

(ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال عبد من صدقة)، فأنا عندي عشرة جنيهات تصدقت بجنيه، فلا تقل: معي تسعة، إنما قل: معي تسعة عشر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، تسعة جمع عشرة بكم؟ بتسعة عشر، والحسنة بعشر أمثالها.

الرجل هذا تصدق بجنيه، صار معه عشرة في ميزان حسناته، والتسعة التي في جيبه فتصير تسعة عشر، هذا هو الصحيح.

هناك حساب صحيح وحساب خطأ، الحساب الصحيح أنك تستصحب النصوص الشرعية، أنا رجل معي مائة جنيه وليس عندي أية تطلعات، ما دخلت في بيت تجاري، وما رأيت النجف، وما رأيت السجاد ولا ورق الحائط والأثاث إلخ، ولا تمنيته قط، فأنا غني، حتى إذا تمنيت ما في يد غيري، هنا يبدأ مشوار الفقر، فقر العاجز.

سفيان الثوري كان يقول: (من استطاع أن يصبر على أكل الخبز والملح لم يستعبده أحد) وجرب جرب أن تشبع بالخبز والملح فقط، ستكون أغنى الناس لماذا؟ لأن أول ما تتطلع إلى ما في يد غيرك يبدأ الفقر {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:٣٢] {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:١٣١]، وانظر كلمة (زهرة) هذه، فالزهرة عمرها قليل ونفسها قصير، أول ما تقطعها من غصنها لا تعيش إلا يسيراً وتذبل، ولن تعود فيها تلك النظارة.

فالناس هناك يعيشون الشهوات وعليها، فأنصح كل مسلم أن يرجع إلى بلاد المسلمين ويترك بلاد الكفر، تجد بعضهم إذا نصحته بهذه النصيحة يقول لك: أول ما يبدأ الولد يميز سأرجع إلى البلاد.

وكل الموجودين الآن في المجتمع الأمريكي صار لهم خمسة وثلاثون أو أربعون أوخمسة وعشرون سنة، كلهم كان يقول هذه المقالة.

فهذا مجتمع خاوٍ على عروشه، الذي يعرض علينا في بلادنا مع حالة القزامة التي نعيشها هو الذي جعل هذا المجتمع يتماسك.

أول ما ظهرت شواطئ أمريكا لنا وأنا على الطائرة ورأيت شواطئ نيويورك؛ لم أتمالك نفسي من البكاء، ودمعت عيني رغماً عني، وقلت في نفسي: بين بلادنا وبين هذه القارة ست ساعات بالطائرة التي تسير بسرعة ألف ومائتين كيلو في الساعة، كيف يحكموننا وهم في بلادهم؟!! والمسافة بيننا وبينهم طويلة! ما قام هذا المجتمع إلا بضعفنا، ليس بقوته، ليس لهذا المجتمع أية قوة اجتماعية يتماسك بها، ولذلك حجم المؤامرات علينا بلغ أشده.

الميزانية الأمريكية ترصد بمليارات الدولارات، الأموال التي تعطيها لبلاد المسلمين كمساعدات تعادل ميزانية التسليح، فالمعونات التي يعطونها لبلاد المسلمين نظير أن يتحكموا في اتخاذ القرار.