للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الأدلة على عدم توحيد بعض المسلمين لله بتوحيد الحاكمية]

يزعجني أن كثيراً من الناس لا يلتزم أحكامَ الله، ولا يسأل عنها إلا إذا وقع في ورطة ولم يجد لها حلاً، أو أصابته مصيبة فجاء يسأل عن حكم الله، أيكون الجمادُ خيراً من الإنسان؟ إن الله عز وجل قال للسماوات والأرض: {اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١].

لماذا لا يرجع الإنسان إلى الله إلا بعد أن يصيبه العذاب الأليم؟! رجل يسرق أموال الناس، ويختلس من الشركة، ويضع أمواله في البنوك، ومكث على هذه الحال ثماني عشرة سنة وهو يفعل ذلك، وفجأة سقط صريعاً، كشف عنه الأطباء فظَهَر أن عنده ذبحة، وعندما علم بذلك طفق يسأل وجاء يقول: ماذا أفعل في تركة ثماني عشرة سنة؟ البيت الذي بنيته من هذه الأموال كل مشروعاتي من هذه الأموال ربَّيت أولادي من هذه الأموال لا أمتلك شيئاً على الأرض إلا من هذه الأموال، وأنا لا أستطيع أن أخرج من بيتي ولا أخرج من تجارتي، فجدوا لي حلاً، ماذا أفعل؟ هكذا مدة ثماني عشرة سنة يفعل كل شيء، ثم إذا أصابته جائحة جاء يسأل عن حكم الله.

كثيرٌ من التجار يعقدون الصفقات ولا يسألون عن حكم الله فيها، صحيحٌ أن الأصل في البيوع الحل، لكن نظراً لاختلاط المسلمين بالكافرين، وأن الكافرين يستحدثون من وجوه المبايعات ما يحفظ لهم أموالهم، ولا يلتزمون بحكم الله، والمسلمون يعاملونهم، وللكافرين اليدُ العليا في البضائع والصناعات، فيذهب المسلم فيعقد صفقة مع الكافر على مذهبه؛ لأنه هو السيد والمالك، فيشترط عليه شروطاً هي في ديننا محرمة، فحينئذٍ يجب عليه أن يسأل أهلَ العلم في كل مبايعة جديدة، وإن كان الأصل في المبايعات الحل؛ لكنه لا يعلم الشرع فلا بد أن يسأل أهل العلم.

فكم يا ترى للتجار مستشارين من أهل العلم؟ التجار الكبار لهم مستشارون قانونيون ومحاسبون، ويعطونهم رواتب عالية وثابتة، ويعطونهم نسباً أيضاً، وأهلُ العلم استشارتهم مجانية بلا مال، فهل يا ترى لكل تاجر كبير مستشار من العلماء يقول له: هذا حلال وهذا حرام، ويصدر عن فتواه؟ هذا مِن أدل الأدلة على أننا لا نوحد الله عز وجل توحيد الحاكمية الذي هو من أخص خصائص توحيد الألوهية.