للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاقتداء بآدم عليه السلام في عدائه للشيطان]

قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} [الأعراف:٢٧].

الأبناء عندهم عصبية للآباء، كفروا بالله بسبب العصبية للآباء، ولو سُبَّ والدُ أحدِنا لاحمرَّ أنفُه، ولربما فدى سمعة أبيه بحياته، ولا يرى بأساً عليه من ذلك، إذْ كان يرد اعتبار أبيه.

وهذا امرؤ القيس لما خرج هو وصاحبه ليسترد مُلْك أبيه -الملك الضائع- رأى أنه لو قُتِل ما كان ذلك يشينه بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنَّا لاحقان بقيصرا فقلتُ له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموتَ فنُعْذَرا كان يبحث عن مُلْك أبيه، وكان أبوه ملكاً، فرأى أن يفدي استرداد الملك بحياته.

إذاً: المقدمة الطويلة هذه نستفيد منها: شدة عصبية الأبناء للآباء.

قال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:٢٨] حتى في الفواحش دفعتهم العصبية أن يفعلوا الفاحشة، ويجعلوا فعل آبائهم حجة، ثم يفترون على الله بعد ذلك فينسبونها إليه.

طالما أن عندكم غَيرة ونخوة وعصبية، فقد أخرج الشيطان أبويكم من الجنة وكشف سوآتهما! فأين عصبيتكم لهما؟! لماذا صار أكثر الناس منقادين للشيطان الرجيم؟! لماذا تَبِع أكثرُ أهل الأرض الشياطينَ؟! أين عصبيتهم؟! لماذا لم يمقتوا الشياطين وقد أخرجوا أبويهم من الجنة، وكشفوا عن سوآتهما؟! لماذا تكيلون بمكيالين؟ لماذا توالون الشيطان وآدم أبوكم؟! ولذلك جاء لفظ الأب في الآية: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ} [الأعراف:٢٧] استثارة للنخوة! استثارة للعصبية! بأن يعادي الشيطان الذي أخرج أباه، ولم يفعل هذا فقط، بل كشف عن سوأته.

فكان ينبغي له إذا كان فعلاً يوالي هذا الوالد ويتعصب له ألاَّ يوالي عدوَّه الذي أخرجه من الجنة، وجعلنا سبايا له.

لكننا سَبْيُ العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونُسَلِّمُ هل يا ترى نعود إلى وطننا الذي خرجنا منه يوماً ما؟! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم -في حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه- (يقول الله عز وجل لآدم يوم القيامة: يا آدم! يقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، يقول: يا آدم! أخرج بعث النار، يقول: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين -هؤلاء يدخلون النار، من كل ألف إنسان تسعمائة وتسعة وتسعين في النار وواحد في الجنة- فقال الصحابة: يا رسول الله! وأينا ذلك الواحد؟ قال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قال: فكبرنا، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قال: فكبرنا، قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قال: فكبرنا، قال: والذي نفسي بيده لأنتم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، أبشروا فإن مِن يأجوج ومأجوج ألف -في النار- ومنكم واحد في الجنة).

فهذه الأمة بالنسبة للأمم كألف بالنسبة لواحد.

فهذه طريقة قرآنية لاستثارة عصبية الناس، لماذا صاروا منقادين للشيطان؟! لماذا صاروا دعاة له وقد أخرج أباهم؟ إن كان عندهم عصبية وإحساس، وعارضوا الأنبياء بسنة الآباء، فلم لا يعارضون الشيطان بسنة أبيهم أيضاً؟! وهذا يدلك على مبلغ الغبن الذي وقع فيه أكثر الناس.