للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار السيئة لتقسيم الدين إلى قشور ولباب]

تعلمون أن هذا ترك آثاراً سلبية على دعاتنا، الذين واكبوا هذه المحنة وعاشوا أغلب أعمارهم فيها، هل تعرف كيف؟ الدعاة الذين استهانوا أو هونوا من إعفاء اللحية، ومن تطويل الإزار، وقالوا: إن هذه قشور، وكل الأحكام التي على هذا النمط قشور، تعرفون لماذا قالوا هذه الكلمة؟ لأنهم قضوا أكثر أعمارهم يقاتلون هؤلاء العلمانيين على فرضية الصلاة، فعندما يأتي أحدهم ويقول: لا توجد صلاة، فأنت تثبت أن الصلاة ركن، فإذا جاء أحدهم وقال لك: يا مولانا! ما رأيك في اللحية؟ يقول لك: أي لحية؟ الصلاة ضاعت، لا تكلمني عن اللحية، لا تكلمني عن الإزار هذه قشور بالنسبة لما نقاتل من أجله! فتركت هذه الظاهرة آثاراً سلبية حتى على الدعاة، مع أننا لا نقدح في إخلاصهم، وعندهم عاطفة ومحبة لله ورسوله، وقد قضوا أغلب أعمارهم يثبتون أن الصلاة ركن، وقالوا: هذه قشور.

فتركت هذه الظاهرة آثاراً سلبية؛ إحدى هذه السلبيات: أنه لم يراع تغير الجيل، فقد جاء جيل آخر يعتقد فرضية الصلاة، إذاً فلابد أن تغير الأسلوب، أنت لا تكلم الجيل الذي كنت تكلمه في الماضي، هذا جيل جديد، ومع ذلك لا زال يقول حتى للجيل الجديد: أي لحية؟ أي إزار؟ هذه سلبية عانينا منها وما زلنا نعاني.

وصل الحال ببعض المنتسبين إلى العلم أن يهاجم الحجاب أكثر من مهاجمة التبرج والسفور، ويقول: الفرض تغطية البدن كاملاً سوى الوجه والكفين، واتخذت هذه الدعوة سلماً إلى التبرج والسفور، وهذا كله بسبب التهوين، فحتى الذين يدعون إلى الله أصيبوا بسبب هذه المحنة.

الثوابت تهتز ولا زالت تهتز حتى الآن، فالاعتداء على شخص الرسول عليه الصلاة والسلام موجود، والقائل أنه هل مات بالزائدة الدودية أم لا، كان ينبغي أن يعزر بأن يجلد، وقد يصل التعزير إلى القتل، إذا كان يستهزئ بشخص الرسول عليه الصلاة والسلام، أو إذا قال كلاماً فيه استهزاء وإن لم يقصد، هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم، من استهزأ بالله ورسوله، واستهزأ بدين الإسلام يقتل، حتى لو أظهر الرجوع؛ لأنه لو جاء رجل فسب النبي عليه الصلاة والسلام واستهزأ به، فلما رأى بارقة السيف قال: تبت؛ تركناه، فاستهزأ آخر، فلما أردنا أن نقيم عليه الحد قال: تبت؛ تركناه، فاستهزأ ثالث، فقال: تبت وهكذا تذهب حرمة نبينا صلى الله عليه وسلم، فحفاظاً على مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام يقتل هذا الشخص، وإذا تاب فتوبته بينه وبين الله، لكن يقتل تعزيراً، لأنه قد يصل التعزير في مثل هذه الحالة إلى القتل.

واحتج العلماء لها بأحاديث منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد امرأة مقتولة، ولم يعرفوا من الذي قتلها، فقال: (أنشد الله رجلاً لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام، فقام رجل أعمى فقال: إني قتلتها، كانت زوجتي، وكانت بي بارة، لكنها كانت تكثر الوقيعة فيك، فكنت أنهاها فلا تنتهي، فقمت إليها فقتلتها، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا اشهدوا أن دمها هدر) دمها هدر، كانت تسب النبي عليه الصلاة والسلام.

فكيف يترك هؤلاء دون أن يعاقبوا؟! ولم يصل هؤلاء إلى هذا طفرة، لكنهم لما رأوا أشياء كثيرة تهتز اهتزازاً عنيفاً ساغ لهم أن يهزوا هذا الأصل أيضاً بأسلوب غير مباشر، تقول له: تتكلم عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لك: يا أخي! هذا كلام علمي، وأنا عندما أذكر النبي أقول: محمد أقول صلى الله عليه وسلم، وعليه الصلاة والسلام، لكن هذا كلام علمي.

حسناً هل الجثة موجودة الآن وبإمكانك أن تشرحها حتى تفيد البشرية من هذا المرض، لو جاز لك أن تقول: أنا أشرح إنساناً، وآخذه من المشرحة وأسرقه من أجل أن أعمل أبحاثاً تفيد البشرية، ونطور من خلالها العلاج، ونعرف طبيعة المرض، لو جاز لك ذلك في إنسان له جثة، فما هي الفائدة العلمية التي تعود على هذا الكاتب حتى يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرناً؟! الفائدة أنك تتكلم عن الرسول فقط، وتتناول شخصه كأنه مثل أي شخص آخر، ممكن فيما بعد أن نشرح مواقفه وأخلاقه، ونعترض عليه، والأمر طبيعي، وهذا كله باسم المنهجية العلمية، وهذا كله علم، ونحن لم نسبه ولم نشتمه، لكن نتكلم كلاماً علمياً.

وتصبح شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام -التي لم تمس- سهلة المسيس، وأي إنسان ممكن أن يتكلم عليها، وأي إنسان ممكن أن يتناول جانباً آخر من حياته، وقد يظهر شخص ويقول لك: هل مات باللثة -مرض في اللثة- ويستدل بحديث في البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما زلت أعرف أثر السم في لهاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات) ويأتي لك بتشريح للثة وتشريح للأسنان ويتكلم، وكأنه يتكلم عن شخص عادي، فليس هذا من الوقار والهيبة والاحترام للنبي صلى الله عليه وسلم، وعندما يشرح يتكلمون عليه، حتى الذين لا يصلون يتكلمون عنه.

نحن أمام طوفان هائل، أين هذا الجيل الذي يقف ولاءً لله ورسوله في زمان الغربة، يدافع عن الله ورسوله، وعن دين الله ورسوله في زمان الغربة، {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:١٠]، لا يستوي من نصر الله ورسوله في وقت عز فيه النصير مع الذي انضم إلى القافلة بعد رجوع الناس زرافات ووحداناً إلى دين الله تبارك وتعالى.

جيل التمكين صار ضرورة، وبكل أسف بعض الذين ينسبون إلى الالتزام والتدين لم يراعوا هذه المسألة، فعندما تنظر إلى أولادهم لا ترى كبير فرق بينهم وبين أولاد غيرهم، كل هذا بسبب أن الأيدي العاملة القائمة على استصلاح الأرض ليست ماهرة، نحن قلنا: الصلاح له ثلاثة أركان: خصوبة الأرض، ومهارة الأيدي العاملة، مع عذوبة الماء إذا تجمعت هذه الثلاث أخرجت لنا زرعاً قوياً.

نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.