للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظاهرة عمل الشباب المسلم في المحلات الغربية التي تبيع المحرمات]

شبابنا الآن يسافرون إلى البلاد الأوروبية ليعملوا في المطاعم، ليقدموا للآكلين الخنزير والخمر، وكل ذلك بدعوى تحصيل المال والحصول على لقمة العيش، وهذا نوع من دناءة النفس، أن يأتي المرء ما حرم الله تبارك وتعالى، ويظن أنه بمعصية الله ليس يخسر، وهذا خطأ في التصور.

ودعونا نضرب هذا المثال: لو أن رجلاً من أكرم الناس لا يسأله سائل إلا أعطاه، ولا يطلبه مبلغاً إلا أعطاه مثله وربما أكثر، فأكبر مصيبة تصاب بها أن يموت هذا الرجل، لأنه لا يحوجك إلى أحد، كلما طلبت شيئاً أعطاك، فأكبر مصيبة أن يموت هذا الرجل، فالله تبارك وتعالى قال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨] مع أن الذي لا يموت هو الحي وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ إذاً: هذا الذي ذهب إلى بلاد الغرب واشتغل فيما حرم الله لم يتوكل على الله الحي الذي لا يموت.

فمهما كان الرقم كبيراً فإن له نهاية، لكن عطاء الله تبارك وتعالى وحده هو الذي لا ينقطع وليس له نهاية، كما يقول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص:٥٤].

والحديث المشهور في صحيح مسلم وهو أجل حديث لأهل الشام، حديث أبي ذر: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي) من ضمن هذا الحديث قال الله تبارك وتعالى: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد -وقفوا في طابور من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة- وسأل كل واحد مسألته، فأعطيته مسألته، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر).

كل واحد يتمنى أي أمنية تخطر على باله من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، وربنا تبارك وتعالى يعطيه ما يتمناه، والذي ينقص من خزائن الله مثل أن تدخل إبرة في البحر المحيط وتخرجها، وهذه الإبرة لم تأخذ من البحر المحيط شيئاً، وهذا على سبيل التمثيل، وإلا فلا ينقص من خزائنه شيء، كما قال الخضر لموسى عليه السلام لما التقى به في مجمع البحرين، وكانت هذه الرحلة كلها بسبب كلمة قالها موسى عليه السلام كما في الصحيحين، فقد كان موسى عليه السلام في مجلس من مجالس بني إسرائيل، فقال كلاماً مؤثراً بكى له الناس ورقت قلوبهم.

فقال قائل لموسى عليه السلام: يا كليم الله! هل هناك أحد هو أعلم منك؟ فقال: لا أعلم في الأرض من هو أعلم مني، فعتب الله عليه، لأنه لم يرجع العلم إليه، ما أدراك؟ سبحان من لا يعلم أسرار خلقه إلا هو، كم في الزوايا خبايا، وكم في الناس بقايا، فعتب الله عليه لأنه لم يقل: الله أعلم.

فقال الله له: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك.

وأمره أن يذهب إلى مجمع البحرين والتقى موسى عليه السلام بالخضر، فجاء عصفور، فنقر في ماء البحر، فأخذ قطرة، فقال الخضر لموسى: يا موسى! مثل علمي وعلمك إلى علم الله كمثل ما أخذ هذا العصفور من ماء البحر.

إذاً: المسألة تقريبية فقط، وإلا لا ينقص من خزائن الله شيء لماذا تركب معصية الله لتحصل على المال؟ قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله أمر يحيى بن زكريا بأربع كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن -أول كلمة من هذه الكلمات-: إن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من حر ماله، وقال له: هذا عملي وهذه داري، فاعمل وأد إليّ، فكان يبيع ويعطي غيره -يأخذ حصيلة البيع كل يوم ويذهب إلى جاره ويعطيه حصيلة البيع- قال عليه الصلاة والسلام: فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟) من فيكم يرضى بهذا؟! المال مالك، والمحل محلك، ويبيع عبدك ويعطي المال لجارك هذا العبد أتبقيه يوماً واحداً؟! ما أظنك تبقيه يوماً واحداً، فلماذا قبلت أن تفعل هذا مع الله، وأنت لا تفعله مع نفسك، وتأنف أن يكون عبدك كذلك؟! فإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً، يقول الله تبارك وتعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨] والتوكل: هو اعتماد القلب على الله، وهذا الذي كان يميز الصحابة رضي الله عنهم عن غيرهم، كان الواحد منهم تزهق نفسه ولا يقترب من محرمات الله، وكان الواحد يترك باباً من الحلال إذا اقترب من باب شبهة؛ خشية أن يقع في الشبهة لماذا؟ لأن لديه توكلاً كاملاً على الله أنه لن يضيعه.

فأنت عبده وأنت صنعته، فلن يضيعك.

ثم سوء الظن بالله أن تظن أنك إذا ركبت معاصيه أعطاك، وإذا أطعته حرمك، هذا سوء ظن بالله تبارك وتعالى.

أنت إذا كنت فقيراً فلذ بغني، ولا أغنى من الله؛ قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [مريم:٤٠].

انتبه إلى كلمة (نحن) مع أن الكلام يمكن أن يفهم بدونها: (إنا نرث الأرض من وعليها) لكنه قال {إِنَّا نَحْنُ} [مريم:٤٠] ضمير العوض: {إِنَّا نَحْنُ}، يعني: هذا كله إليه؛ فالله سبحانه وتعالى له الملك وحده، وهو القادر على شيء.

وأصحاب النظام العالمي الجديد لو أحبوا أن يصنعوا مكيفاً مركزياً للعالم، يدفئ العالم في الشتاء، ويجعله برداً في الصيف فوالله لن يستطيعوا ذلك أبداً، ولو أنفقوا أموال الدنيا كلها.

فالقادر هو الله، والرازق هو الله، بيده خزائن السموات والأرض.