للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القسم الثاني: نفاق العمل]

نفاق العمل مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) والحديث الآخر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً -وفي رواية: من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها- إذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان).

هذا النفاق نفاق العمل دركات، وكما أن الإيمان يزيد وينقص، والكفر أيضاً دركات، فكذلك النفاق دركات؛ فالذي يحدِّث ويكذب مرة أو مرتين لا يعتبر داخلاً تحت هذا الحديث، لأن كلمة (إذا): تدل على الاستمرار، هذا دأبه: وأنه كلما حدث كذب، فإذا هنا بمعنى: كلما، أي أن هذا صار شعاراً له؛ كلما حدث كذب، وكلما وعد أخلف، وكلما اؤتمن خان، وكلما خاصم فجر، وكلما عاهد غدر، هذا هو الذي يطلق عليه اسم المنافق، أما الذي يكذب مرة أو مرتين، أو يخلف مرة أو مرتين، ولم يكن ذلك له بخلق، فهذا لا يدخل تحت الحديث.

ويدل على ذلك أن في بعض طرق الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام علق هذا الوصف بالذي ينوي أن يكذب إذا حدث، وينوي أن يخلف إذا وعد، أما إذا وعد، ثم جاء أمر خارج عن إرادته وقدرته، فهذا لا يدخل تحت نفاق العمل.

فهؤلاء المنافقون الذين ملئوا الدولة الإسلامية في المدينة المنورة كان لهم شأن عظيم جداً -كما ستعلمون- لاسيما في الغزوات، وقد قال الله عز وجل في بعضهم: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:٤٧]، في هذه الغزوة الله تبارك وتعالى ثبط أولئك عن الخروج؛ لأن خروجهم كان فيه مضرة عظيمة.

لماذا وصف الله عز وجل الكافرين في آيتين فقط من مطلع سورة البقرة، ووصف المنافقين بثلاث عشرة آية؟ إن الله لما بدأ بالمؤمنين ثنَّى بالكافرين، وإنما يذكر الشيء ثم يذكر ضده، ثم ألحق المنافقين بالكافرين، ولو لاحظت الترتيب في السورة ستراه بدأ بالمؤمنين؛ لأنهم أهل أن يبدأ بهم، ثم ثنى بالكافرين الذين لا اختلاف عند المؤمنين بكفرهم، ثم ثلث بالذين يتصور بعض المسلمين أنهم من المؤمنين، فألحقهم بالكافرين، فهذا الصنف الذي يتردد فيه النظر أهو مسلم أم هو كافر؟ ذكره بعد الكافرين وألحقه بهم ترجيحاً لكفرهم.