للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هرقل يسأل أبا سفيان]

جاء في بعض الروايات الأخرى أن أبا سفيان أول ما جلس وسأله هرقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: هو ساحر هو كذاب.

فقال له هرقل: ما سألتك عنه لتكتمه.

فخجل الرجل من نفسه، فبدأت المحاكمة، وبدأت الأسئلة التي حاصر بها هرقل أبا سفيان، وأسئلته ذكية جداً ومرتبة، وهي كذلك مختصرة، و (خير الكلام ما قل ودل).

بدأ هرقل يسأل أبا سفيان فقال: أيكم أقرب نسباً؟ قال أبو سفيان: أنا أقرب إليه نسباً.

وجاء في بعض الروايات الأخر -أظنها في البخاري - أنه قال: هو ابن عمي.

لأنهما -أي أبو سفيان والرسول عليه الصلاة والسلام- يشتركان معاً في الأب الرابع وهو عبد مناف، ولذلك قال أبو سفيان كما في الروايات الأخرى قال: ولم يكن في الركب أحد من عبد مناف غيري.

فالرسول اسمه: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

وأبو سفيان: أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

فاشتركوا في الأب الرابع، فلهذا قال: هو ابن عمي.

ثم قال له: كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب.

قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ يعني: هل ادعى أحد النبوة قبله؟ قال: لا.

قال: فهل كان من آبائه من ملِك؟ قال: لا.

قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم.

قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون.

قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا.

قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.

قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة.

قال: فهل قاتلتموه؟ قال: نعم.

قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه.

أسئلة قوية جداً ومركزة، وفي صلب الموضوع، ولذلك أي إنسان يستجوب أحداً فلابد أن يدرس القضية أولاً، ويجعل كل الأسئلة في محور القضية، ويكون السؤال دقيقاً بحيث لا تجعل المسئول يفكر كثيراً في الجواب أو يدخل في تفاصيل لا حاجة لذكرها.

فكانت أسئلة هرقل محدودة بحيث لم تسمح لـ أبي سفيان أن يدخل في تفاصيل لا حاجة لها، وقد استثمر هرقل الإجابات المختصرة لـ أبي سفيان بعد ذلك، وأقام عليه الحجة بأن النبي عليه الصلاة والسلام رسول، ورسالته حقة من جنس إنكاره للرسالة.

وقد كانت إجابات أبي سفيان هي نفس الدليل الذي أثبت به هرقل صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وصدق رسالته؛ فقد قال لـ أبي سفيان: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها.