للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوته]

كان أكثر هؤلاء الذين ينافقون نفاق الاعتقاد من اليهود؛ لأنهم حسدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبغوا عليه وكذبوا عليه، ولا أدل على ذلك من أول واقعة حدثت قبل أن يبني النبي صلى الله عليه وسلم المسجد.

إن الأنصار كانوا يخرجون كل يوم إلى طرقات المدينة ينتظرون مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه من مكة، فكانوا كل يوم ينتظرون حتى الظهيرة ثم ينقلبون إلى بيوتهم، فأول من رأى الرسول عليه الصلاة السلام قادماً رجل من اليهود، حبر من أحبارهم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام يزول به السراب؛ لأنه كان يلبس لباساً أبيض؛ صرخ بأعلى صوته وقال: هذا جدكم أيها العرب! فخرج المسلمون إليه بالسلاح.

وأول موقف حدث بعدما وطئت أقدام النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مع هؤلاء اليهود يقصه لنا عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وكان حبر اليهود الأكبر، يقول: (إذ سمعت بمقدم النبي عليه الصلاة والسلام، قال: فجئته فأول ما نظرت إلى وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، فسألته عن مسائل، فأجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها، فأسلم عبد الله بن سلام، وقال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت -أي يكذبون ويفترون- وإنهم إذا علموا بإسلامي بهتوني ما ليس فيَّ، فادعهم وسلهم عني وأنا مختبئ في هذه الدار، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهود، فلما دخلوا عليه قال: يا معشر يهود! اتقوا الله؛ فإنكم تعلمون أني رسول الله حقاً.

قالوا: ما نعلمك (ثلاثاً).

فقال لهم: ما عبد الله بن سلام فيكم -أي ما منزلته-؟ قالوا: هذا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا.

فقال لهم: أرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله أن يسلم! -وفي رواية قالوا: معاذ الله أن يفعل ذلك!! - فقال: اخرج يا عبد الله، فخرج من وراء الحائط وهو يقول لهم: اتقوا الله! فإنكم تعلمون أنه رسول الله حقاً.

قالوا له: كذبت.

فأنت شرنا وابن شرنا، ثم خرجوا).

كان هذا أول موقف لليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل أن يبني المسجد، يكذبون ويفترون (اتقوا الله يا معشر يهود فإنكم تعلمون أني رسول الله حقاً) يقولون: ما نعلمك!! وهم يكذبون؛ لأن الله عز وجل قال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] أي: ليس هناك رجل يجهل ولده، فكما أنهم يعرفون أبناءهم، فهم يعرفون صفته عليه الصلاة والسلام، ولكنهم جحدوه، فكان لهم معه أمر عظيمٌ جداً، ونكل بهم بعد ذلك أشد التنكيل، كيف لا ينكل بهم الذين افتروا حتى على رب العزة، وتاريخهم مع نبيهم بل مع أنبيائهم جميعاً تاريخ معروف حافل بالغدر والخديعة؟!