للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوة الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب]

(قال: وسألتك يزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون.

قال: وكذلك أمر الإيمان حتى يتم) يزيد الإيمان كالقمر، فيبدأ كالهلال ثم يكبر شيئاً فشيئاً حتى يصير بدراً.

قال: (وسألتك: أيرتد أحد منهم سخطةً على دينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا) هذا شيء طبيعي، فإذا كانوا يزيدون فإنهم لا ينقصون، ولا يرتد أحد منهم.

(قال: وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب) يعني: كأنها استقرت في نفس أنسجة القلب، ويكون مثاله كمثال اللون إذا اختلط بالماء فلم يترك جزئيات الماء، فإنك عندما تأتي بالشاي وتضعه في الماء، وتتركه لمدة سنة، فإنه لا يمكن أن يتغير لون الشاي؛ لأن الشاي اختلط بجزئيات الماء، بخلاف التراب؛ فإنك لو أتيت بالماء وخلطته به، وتركته خمس دقائق فإنك ستلاحظ أن التراب نزل تحت الماء، هذا هو الفرق بين مخالطة البشاشة والمخالطة العامة، فالإيمان إذا خالطت بشاشته القلب كان كمثل ذلك الشاي، لذلك لا يرتد الإنسان أبداً مهما عذب وأوذي، وأعظم دليل على ذلك: أبو جندل بن سهيل بن عمرو فإن أباه سهيل بن عمرو عندما علم أنه أسلم قيده بالحديد، فلم يصبر على ذلك، فقرر أن يهرب، وذهب ماشياً وهو مقيد بالحديد من مكة إلى الحديبية، وكان من ضمن الاتفاق بين المشركين والمسلمين أنه إذا جاء أحد من مكة مسلماً فإنهم يردونه، ولما وصل أبو جندل إلى الحديبية إذا به يفاجأ بأبيه وهو جالس مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال سهيل: هذا أول ما أطالبك به، فطلب منه الرسول أن يتركه، لكن سهيلاً لم يوافق على ذلك، وأصر على أخذ ابنه معه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي جندل: (ارجع)، فحزن المسلمون لذلك أشد الحزن، ومع ذلك كله لم ييأس أبو جندل، ورجع وهو راضٍ بأمر الرسول رغم كل التعب الذي عاناه في سفره من مكة إلى الحديبية وهو مقيد بالحديد.

ولذلك عندما سأل هرقل: (أيرتد أحدٌ منهم سخطةً على دينه؟)، كان ذلك نوع من التأكيد؛ لأنه عندما سأله: (أيزيدون، أم ينقصون؟ قال له: بل يزيدون) كان هذا دلالة على أنه لن يرتد أحد؛ لأنه لو كان أحد يرتد فإنهم سينقصون، لكنه قال هذا ليؤكد أن هذه الزيادة ليست أي زيادة، فالرجل إذا دخل في الإسلام وأشرب قلبه بالإيمان فلا يمكن أن يرتد عن دينه.

قال: (فكذلك أمر الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب).