للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأويل الرؤيا بما فيها من ألفاظ]

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن رؤيا يأخذ تأويل الرؤيا من الأسماء أو من بعض الألفاظ الموجودة في الرؤى، كما قال له رجل: رأيت أنني أكل من رطب ابن طاب، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أرى أن ديننا طاب)، فحمل الرؤيا على المحمل الحسن من الاسم، وهذا أحد ضوابط التأويل.

كما قابل النبي صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب في أول الإسلام، فقال له: ما اسمك؟ فقال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر وقال: برد أمرنا وصلح، فأخذه من اسمه، جاء قومٌ وكانوا قد أسلموا فقال: ممن القوم؟ قالوا: من غفار، قال: غفر الله لها، وأنتم؟ قالوا: من أسلم، قال: سلمها الله، فأخذها من الاسم أيضاً؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح لأجل هذا.

(جاءته امرأةٌ قال لها: ما اسمك؟ قالت: عاصية، قال: بل أنت جميلة)، وسماها جميلة كما في صحيح مسلم، وجاءه رجلٌ قال له: ما اسمك؟ قال: غاوي بن ظالم، قال: بل راشد بن مقسط فغيره.

وجاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما اسمك؟ قال: طارق بن شهاب، قال: ممن أنت؟ قال: من الحرقة، قال: قال: فالحق بيتك فإنه يحترق.

فرجع الرجل إلى بيته فوجده احترق.

فيأخذ مفسر الأحلام من الاسم أو من بعض مفردات الرؤى تأويل الرؤيا، فيذكر الذي يستحسنه السامع، ويكتم بعض الذي يكرهه، إن وقع في روعه ذلك لمصلحة الرائي.

كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه في صحيح مسلم، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: رأيت شجرةً ينطف منها السمن والعسل، والناس يأخذون منها، فمن مقلٍ ومن مستكثر، ثم رأيت سبباً ممدوداً بين السماء والأرض -السبب هو الحبل يقول هذا الكلام للرسول عليه الصلاة والسلام- فتعلقت به فعلوت، فتعلق به رجل بعدك فعلا، فتعلق به رجلٌ بعده فعلا، فتعلق به رجلٌ بعده فانقطع، ثم وصل له بسبب فعلا، فقال: أبو بكر: بأبي أنت يا رسول الله لأعبرنها، أي: دعني أؤولها، قال: نعم.

قال: أما الشجرة: فهي الإسلام، وأما الشيء الذي ينطف منها: أي يقطر، فهو القرآن، والناس من مستقلٍ منه ومن مستكثر، وكلما استكثر أخذ حلاوة وشعر بها، وأما السبب فهو الحق الذي أنت عليه، يعليك الله به، ثم يأخذ به رجلٌ بعدك، فيعليه الله به، ثم يأخذ به رجل بعده فيعليه الله به، ثم يأخذ به رجل بعده فينقطع، ثم يعليه الله به، بأبي أنت يا رسول الله أصبت أم أخطأت؟ قال له: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، فحلف عليه وقال: بالله عليك ما الذي أخطأت فيه، قال: لا تقسم، وفي رواية الدارمي، قال: فأبى أن يخبره.

لذلك نحن لا ندري على وجه التحديد ما الذي أخطأ فيه أبو بكر في التأويل؛ لكن تأويلها جزءٌ منها ظاهر، وهو السبب الحبل المدود من السماء إلى الأرض، أخذ به النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً، ثم أخذ به أبو بكر فعلاً، ثم أخذ به عمر فعلاً.

ثم أخذ به عثمان فانقطع به، وتلك الفتنة التي جرت في أواخر عهد عثمان، وقتل بسببها، واقتتل المسلمون بسببها، ثم وصل له فعلا.

ويمكن أن تعلم هذا أيضاً في حديث آخر في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بستاناً وأمرني بحفظ الباب، وقال: لا يدخلن أحد؟ فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وفي البستان بئرٌ، فكشف عن فخذيه، ودلى رجليه في البئر، فجاء أبو بكر، قلت: على رسلك، أي تمهل، ودخل، فقال: يا رسول الله أبو بكر في الباب؟ قال: ائذن له وبشره بالجنة، فأذن له بعدما بشره بالجنة، فدخل أبو بكر وجلس بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن فخذيه، ودلى رجليه في البئر، فقال أبو موسى الأشعري يحدث نفسه: إن يرد الله بفلان خيراً وهو أخوه، فليأت به الساعة لماذا؟ لأنه يقول له: ائذن له وبشره بالجنة، إذاً استفاد من البشرى، قال: فجاء عمر، قلت: على رسلك، فدخل فقال عمر بالباب؟ قال: ائذن له وبشره بالجنة، ودخل عمر، فجلس بجانب أبي بكر فكشف فخذيه، ودلى رجليه في البئر، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، ويقصد أخاه، قال: فجاء عثمان فقلت: على رسلك، فقلت: عثمان بالباب؟ فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، وهذا هو السبب الذي انقطع، فانقطاع الحبل كان من هنا، ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فقال: عثمان الله المستعان! ودخل فلم يجد مكاناً، فجلس قبالتهم في الجانب الآخر من البئر.