للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغزو الفكري والثقافي]

إن تاريخ الغزو الفكري يدل على دهاء اليهود وغفلة المسلمين، فلقد علم اليهود وكل الذين عادوا المسلمين أنهم في الحرب المباشرة يخسرون، والمسلم من أجسر الناس قلباً في الحرب، لاسيما إن استنفرته باسم الدين، فإنه يتطلع إلى جنة الله عز وجل، يشتاق إليها، لا ينظر إلى روحه، وهذه مسألة معلومة من وقائع السيرة النبوية والغزوات، والله عز وجل قال عن اليهود: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر:١٤].

لقد دخل اليهود معنا في معركة، ونحن في هذا العصر لم نلتفت إليها بل لم نحسنها، وهي معركة الغزو الفكري.

معركة الغزو الفكري هي أن يدمر دينك وأنت لا تشعر؛ فبدلاً من أن يدخل معك في حرب مباشرة، يحصل مقصوده وهو هناك على مكتبه، وأقرب الأمثلة على ذلك فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وأنتم تعلمون أن القائمين على جائزة نوبل هم اليهود، وقد علم اليهود أن المسلمين يتحرقون شوقاً إلى الفوز بجائزة نوبل، ويرون أنهم على سنار الكرة الأرضية، ولا قيمة لهم إن لم يفوزوا بجائزة نوبل، وعلموا هذا من الترشيحات المستمرة للأدباء المصريين والعرب وأنهم يفشلون في كل مرة، فنظروا وفتشوا، فإذا هذا الرجل نجيب محفوظ له هذه الرواية: (أولاد حارتنا) طبعاً اسم مضلل يضلل العوام؛ لأن هذه الرسالة أو القصة نشرت في جميع بلاد الغرب باسمها الحقيقي: (موت الإله)، واعترض عليها الأزهر سنة (٥٨) وحرم هذه الرواية، وترجمت في جميع بلاد العالم بهذا الاسم: (موت الإله) الذي يصف الله عز وجل فيه بأنه ظالم، وأنه تزوج بامرأتين، وأنه ظلم إبليس؛ لأنه كان يقسو عليه، وكان ظالماً لأمه، وكان يدلل المرأة الأخرى، ومن فجره أنه سمى الأولاد بأسماء قريبة من أسماء الأنبياء.

فالنبي صلى الله عليه وسلم اسمه في هذه الرواية (قاسم)؛ لأنه أبو القاسم، وصفه في هذه الرواية بأنه طيب وابن حلال، لكنه وإن كان كذلك فإن دعوته بالخير لم تثمر عند أحد؛ لأنه لا أحد يقتنع بدعوته في هذا الزمان مع ظلم هذا الإله الكبير، هذا الرب الذي يقعد في هذا البيت، وقد ظلم المرأة وظلم أولادها، يجعل جميع الأنبياء سفاكين، وإبليس مظلوماً؛ لأن أباه ظلم أمه، فهو مظلوم، فيعتذر عن إبليس ويتهم الأنبياء.

ثم يزعمون أن هذه إشارات للخير والشر وأن هذا فن، فهذا العفن الذي أخذناه من اليهود فن.

وكلية الفنون الجميلة تأتي فيها المرأة عارية كما ولدتها أمها -وحتى الآن- ثم يأتون بالشباب يرسمونها على كل وضع: على ظهرها، وعلى جنبها، واقفة وراقدة، ويزعمون أن هذا فن.

وفي السياحة والفنادق يعلمون الشباب صنع الخمور، وكيفية التمييز بين الخمور المختلفة، وكيفية معرفة الخمور المسمومة أو الزائفة من غيرها، وكيفيه تقديم الخمور بلطافة للذي يشرب، كل هذا أتانا من اليهود.

ولما علم اليهود أننا نتحرق شوقاً لجائزة نوبل، نظروا فوجدوا أولاد حارتنا، ووجدوا أن الأزهر صادر هذه الرواية، فقالوا: كيف ننشر هذه الرواية؟ -هذا سؤال يسأله اليهود لأنفهسم- كيف ننشر هذه الرواية ويعلمها القاصي والداني، ونحلل دينهم من خلالها؟ قالوا: نُعطيه جائزة نوبل! وفعلاً رشحوه لجائزة نوبل، وصفق الشرق العربي كله لفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وما هي إلا ثلاثمائة وتسعون ألف دولار قيمة الجائزة؛ يعني: مليون جنيه، ونستطيع بها تحليل عقائد ألف شاب أو مائة شاب.

ونشرت الرواية على رغم أنف الأزهر، وتباع على الأرصفة، وصار لها شأن عظيم، وخرج الأدباء يكفرون المشايخ، ويتهمونهم على صفحات الجرائد بالجمود، ويقولون: هذه حرية رأي، ويأخذون حديثاً من نجيب محفوظ يقول فيه: أنا أرجو من علماء الدين أن يبعدوا الدين عن هذه الأشياء، فمسألة المصادرة والحجر هذه كلمات يجب أن تلغى من القاموس أصلاً، ويتهكمون أن رجال الدين أفقهم ضيق لا يفهمون الفن، ولا البلاغة ولا الإيماءات.

وكذلك هذه الأغنية التي حصل عليها ضجة: أغنية (من غير ليه) ورفع بعض المسلمين دعوة على المغني وعلى الكاتب؛ لأنه يقول: (أنا مش عارف من أين أتيت ولم أتيت وما فائدة هذه الحياة)، فنسمع من الذين يسمون بالمؤرخين المسلمين -وهذه مصيبة كبيرة- يأتي على صفحات الجرائد ويقول: نصيحة إلى علماء الدين: يجب أن يجردوا الفن من الدين، فالفن هذا شيء والدين شيء آخر، لا يجوز أن يكون الدين حاكماً على الفن وإلا حكمنا على كثيرين بالكفر.

فمثلاً: نحكم على الذي قال: (قدر أحمق الخطى) بالكفر، ألا يرى أن هذا كفر؟ وقام الأزهر من عشر سنوات وعمل ضجة حتى تلغى هذه الأغنية، ومع ذلك تذاع ليل نهار.

فهذا الرجل يقول: يجب أن ننحي الدين عن الأغاني فهذا فن! وهذا امتداد لقولهم أن الدين لا يهيمن على الحياة، مع أنهم يعلمون أن كاتب الأغنية نصراني؛ فهو أصلاً كافر، واسمه: مرسي جميل عزيز.

فهذا من مخلفات الغزو الفكري، أن ينشر هذه القضايا التي استدعاها اليهود في هذا البلد الآمن، ولنا مع هؤلاء وقفة ووقفات حتى نظهر كيدهم ونبصر المسلمين بالدور الكبير الذي يقوم به أذنابهم وعملائهم في بلاد الإسلام.

نسأل الله عز وجل الرحمة، ونسأله العافية من كل داء.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.