للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرب المثل بالرجل الذي فيه شركاء متشاكسون]

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ثم نختتم الأمثال من القرآن بذكر رجلٍ هو أشقى رجل على وجه الأرض.

قال تعالى في سورة الزمر: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} هذا الطرف الأول للمثل.

الطرف الثاني: {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٩].

((رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ)) أشقى رجل على وجه الأرض هو هذا الإنسان، عبدٌ فيه شركاء متشاكسون، أي أن كل واحد منهم يعاند الآخر، ينتظر أن يأمر الآخر بأمرٍ حتى يأمر بضده، وهؤلاء المتشاكسون لهم عبدٌ واحد، إذا صادف العبد رجلاً منهم جره واستخدمه.

فلنفترض مثلاً عشرة من المتشاكسين يكره بعضهم بعضاً، وكلما أمرَ أحدهم بأمر، أمر الآخر بضده، كنوع من العناد والمشاكسة، عناد، فقال الأول -مثلاً- لهذا العبد: اذهب إلى الجهة الفلانية وائتني بكذا، واعلم أنك إذا لم تطع أمري عاقبتك.

فبينما هذا العبد الشقي ذاهبٌ إلى الجهة التي أمره أن يذهب إليها السيد الأول إذ قابله في الطريق المالك الثاني: - إلى أين يا غلام؟ - أمرني فلانٌ أن أذهب إلى جهة المشرق لآتي بكذا.

- لا، اذهب إلى المغرب وائتني بكذا.

ذهب إلى المغرب طبعاً لم يقض حاجة الأول.

- يا غلام! لم لم تطع أمري؟! - والله يا لقد أمرني فلان.

-أنا ما لي وماله! تعال هنا.

ويوقع به العقوبة، فبينما هو متوجه إلى المغرب قابله المالك الثالث: - إلى أين؟ - إلى كذا.

- لا، تعال اذهب إلى الجهة الفلانية.

- فيسأله الثاني: لم لم تفعل؟ - جرني الثالث.

- وأنا ما لي! تعال! فيعاقبه، فلا هو محمودٌ عندهم جميعاً ولا يقضي لهم شيئاً جميعاً، وإذا استجار بواحدٍ منهم قال له: وهل فعلت لي شيئاً حتى تستجير بي؟! أمرتك فلم تمتثل، فمهما يقدم من عذرٍ لا يقبل منه! تعلمون على وجه الأرض أشقى من هذا العبد! فالذين يعبدون آلهةً متكاثرة أمثال هذا الإنسان.

{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر:٢٩] ليس له إلا مالك واحدٌ وآمر واحد، إذا أمره ابتدر أمره، ونفذ ما يريد، فيعرف له ذلك ويكافئه، وإذا اعتذر عذره.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بن العلاء: ((ورجلاً سالماً لرجل)) فمن المستريح؟ أنه هذا الرجل السالم.

حسناً: يا جماعة! يا معاشر العقلاء! هذان الاثنان هل يستويان مثلاً؟ فلما كان المثل واضحاً غاية الوضوح ومع ذلك ضل عنه الذين كفروا؛ قال الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٩].