للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أساليب أهل الضلال: التنقص من الصحابة والتقليل من شأنهم]

إن أول ما يضربه أهل البدع في جسد الأمة المسلمة هم الصحابة، فيحقّرونهم، ويقلّلون من شأنهم.

فمثلاً: عمرو بن عبيد قال له رجل: ما تقول في حديث التحفتين في الصلاة، قال: عمن؟ قال له: عن جابر بن سمرة، قال: ما تفعل بـ جابر بن سمرة؟! قبّح الله جابر بن سمرة!! نقول: بل قبح الله عمرو ورضي عن جابر بن سمرة.

فأهل البدع يحقرون الصحابة ولا يعتبرونهم مثالاً، وإنما يقولون: هم رجال ونحن رجال، ولذلك كان أول شيء وقعت فيه جماعة التكفير هو قولهم في الصحابة: هم رجالٌ ونحن رجال.

ذات مرة في سنة (٨١) في سجن (أبي زعبل) كان قادة السجن يضعون أصحاب كل مذهب أو معتقد في زنزانة، مثلاً: السلفيون مع بعض في مكان واحد، والتبليغ كذلك، والتكفير كذلك، فجاءت أوامر بتصوير كل المساجين من الأمام والخلف والجنب فصدر من الفرماوي -وهو رئيس فرقة الفرماوية وكان سِنُّه تقريباً يوم رأيته يدل على أنه قد تجاوز التسعين- قوله: التصوير حرام.

وكان يوجد في زنزانته قرابة أربعة وعشرين من أتباعه، فتجمعوا جميعاً في زنزانة واحدة وأصروا على عدم التصوير، فضربوهم بالقنابل المسيلة للدموع فأبوا، وعجز الحراس عن فتح الزنزانة، وعندما ضربوهم بالغاز المسيل للدموع سدوا الباب بالبطانيات، وكان الفرماوي رجلاً كبيراً مصاب بضعف في الجهاز التنفسي، فرفعوه إلى نافذة الزنزانة حتى يشم الهواء.

ومن أجل أن يجبروهم على تسليم أنفسهم وتصويرهم منعوا عنهم الطعام، وكان الفرماوية في الدور الثاني، وتوجد زنزانة فوقهم في الدور الثالث، فاجتمع من فيها فقالوا: لا يمكن أن نتركهم هكذا بلا طعام، وأتوا بفكرة أن يدخلوا لهم الطعام من النافذة الخارجية للزنزانة، فأتوا بخبز وحلاوة وربطوها في بطانية وأنزلوها من الخارج، فبينما كان الرجل - الفرماوي - يشم الهواء وجد الخبز والحلاوة نازلاً من السماء، وبما أن جماعته لا يعرفون من أين الخبز والحلاوة قالوا مباشرة: هذه كرامة، وليس بعدها كرامة، وازدادت قناعة الناس بالرجل وآمنوا به أكثر، وأصروا على عدم التصوير، وقضوا على ذلك ثلاثة أو أربعة أيام يأكلون ويشربون ولا توجد مشاكل.

فلما نقلوا هذه الجماعة من سجن (أبي زعبل) قال حراس السجن: ما دام أن كل جماعة ستتكاتف مع بعضها فلا بد أن نمزقهم ونفرقهم، فوضعوا في كل زنزانة اثنين من جماعة التكفير مع اثنين من السرق، مع اثنين من السلفيين، وأربعة من الإخوان وهكذا، فلا يمكن أن يتحدوا وكان هذا هو التقسيم الجديد الذي قسم به السجن فيما بعد.

فكنا نقوم بالرياضة في الصبح.

جماعة الفرماوية من مذهبهم أن الأخذ بالأسباب كفر، فلو مرض شخص فذهب إلى الطبيب فهو كافر -هذا هو مذهبهم- فكان واحد من الاثنين من جماعة الفرماوية اسمه: حمزة، فقلت له: يا حمزة ماذا تعمل؟ فقال لي: أعمل خياطاً، فقلت له: (بلدي أو إفرنجي؟) وكنت أستدرجه لأقول له إن هذا أخذ بالأسباب وإلا فلماذا تعمل، فقال: أنا خياط (بلدي)، وهذا الثوب الذي ألبسه أنا الذي فصلته، فقلت له: يا حمزة! ألا ترى أن هذا من الأخذ بالأسباب؟! فقال لي: ألا ترى ما ألبس؟ أنا ألبس ثوباً أخضر، قلت: وما معنى هذا؟ فقال: نحن على ثوبين، الذي يلبس الثوب الأبيض هو الواصل ولا يعمل أبداً، والذي يلبس الثوب الأخضر هو (المرمطون) الذي يصرف على صاحب الثوب الأبيض!! وقال أحد جماعة التكفير: نحن نرى أننا على الحق، وقد أمرنا الله عز وجل أن نبلغ عباده دين الله، فنحن ندعوكم إلى الإسلام، فسبحان الله شيء عجيب حقاً! فمنطلقهم أنهم مكلفون بدعوة الناس إلى دين الله عز وجل، ونحن في نظرهم كفار، وسيبدءون بدعوتنا.

وكانت تحصل بيننا مناقشات كثيرة، حتى وصلنا إلى الصحابة، وما هو قدر الصحابة عندهم؟ وهل عمل الصحابي أو قوله حجة أم لا؟ ومتى يصير حجة ومتى لا يصير؟ وقول الصحابي في القرآن من باب المرفوع أم من باب الرأي؟ وبدأنا نتطرق إلى هذه المواضيع، فكان جوابهم: إن الصحابة مطالبون بالقرآن والسنة مثلنا فلا ميزة لهم علينا في ذلك، فهم مطالبون ونحن مطالبون، وليس فضلاً لهم أنهم سبقونا، كما أن الرجل الكبير لا يسبق الرجل الصغير، فكونك قبلي هذا ليس فضلاً لك، فهم وجدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن لو كنا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنا مثلهم سواء بسواء، إذاًَ فما الذي فضلهم؟! فهم رجال ونحن رجال، وهذه المناقشة الحارة كانت على إثر تحقيق قول ابن عباس: (كفر دون كفر)، فقالوا: لا نسلم.

فقلت له: ابن عباس توفر له فيها ما لم يتوفر لك، فقال: وما هو؟ فقلت: دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، فدعك من قضية: (هم رجال ونحن رجال) فهذا رجل معه دعوة، وأنت رجل معك دعوى، فقال: وما أدراك أن الله استجاب دعاء نبيه؟! فأنكرنا عليه ذلك حتى أن أصحابه من أهل التكفير أنكروا عليه أيضاً، وهذا المجادل هو الآن من الداعين إلى مذهب السلف، بعد أن خرج من التكفير بحادثة مؤلمة، فهناك بعض الناس لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم.

فحينما نقلوهم إلى سجن (القناطر) وناقشوهم في كراسة شكري والتي تعتبر القرآن الثاني لجماعة التكفير، فقال الذي يناقشهم: كان المفروض على شكري أن يكتب هذه العبارة بالطريقة الفلانية لأنهم ينتقدونها علينا، فهذه العبارة أرى أنها تعدل لمصلحة الدعوة، فانبرى أحدهم وقال: أتعدل على شكري؟ فقال له: شكري ليس بمعصوم، فقال له: ليس بمعصوم ولكنك لا تعدل عليه، فحصلت مشادة وأمسك به أربعة عشر شخصاً وقتلوه ضرباً!! وقبل ذلك بزمن خرج شخص وفضح دعاة التكفير وقال: إنهم يخطفون البنات! وذكر كيف يتزوجون! ونذر وانتدب نفسه لفضح هذه الجماعة بعدما يخرج من السجن، فوفى بنذره وانتقل إلى رحمة الله عز وجل، والمقصود أنه انتقل إلى رحمة الله بتعديل منهجه.

إن أول درجة في سلم الفوضى التي يعيش فيها أهل البدع والضلال هي احتقار الصحابة، ويقنعون الجماهير بأن الصحابة مجرد رجال، يقولون لك: هم رجال ونحن رجال، ويستخدمون المقولة -التي قالها بعض أهل الحق- في الباطل، ووضعوها في غير موضعها فكانت قبيحة، وهذه هي طبيعة الكلام الحق لو وضعته في غير موضعه لصار قبيحاً، فمثلاً قولهم: (لا أحد معصوم إلا الرسل)، هذه مقولة صحيحة، فلو أن رجلاً سرق وجاء أمام القاضي، فقال له القاضي: أسرقت؟ فقال له: يا سيادة القاضي وهل هناك أحدٌ معصوم؟!! إنه لص، أي: هذه غلطة ومن الذي لا يغلط؟! وانظر إلى العبارة، فنحن قلنا الآن إنها عبارة جميلة ومتفق عليها لكن لما وضعت في غير موضعها صارت اتهاماً له، فنقول له: أسرقت؟ فيقول: وهل هناك أحد معصوم؟! وهذا معناه أنه سرق، فكذلك كل كلامٍ حسنٍ يوضع في غير موضعه يكون قبيحاً، كما قال المتنبي: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى يعني: من رميته بوردة لا ترمه بالسيف، الكلام اللين في موضعه جميل، والكلام الغليظ في موضعه جميل، والكلام اللين في موضعه حكمة، والكلام الغليظ في موضعه حكمة، فهم أتوا على الكلمة التي تقول: (إن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال يعرفون بالحق)، وهذا كلامٌ جميل، ولكن (الرجال هم وثائق الحق)، فلو جاز أن تطعن على الواسطة جاز لك أن تطعن على الحق الذي يحملوه ويبلغوه، فهم الأدلاء على الحق، فلا بد من الاعتدال في فهم هذه الكلمة، فليس معنى أن الحق لا يعرف بالرجال أن ترمي الرجال.

فمن الذي يبلغ الحق؟! فلو جاز لك أن تطعن عليهم لكان ذلك طعناً على الحق الذي يحملوه ويبلغوه، فالرجال هم وسائط الحق، والطعن عليهم يستلزم الطعن في الحق نفسه.

كما ظهرت الدعوى القبيحة التي تقدح في أبي هريرة والتي يتكلمون فيها على الصحابة الأكابر، يقولون: إن أبا هريرة إذا أعطيته (سنتدوتش) يعطيك حديثاً مكذوباً على النبي صلى الله عليه وسلم، فـ أحمد منصور هذا الرجل الساقط الذي يتكلم على أبي هريرة كما لو كان لصاً أو قاطع طريق، وهذا الكلام منشور على صفحات المجلات أمثال مجلة (روزاليوسف).

وقد كتب هذا الساقط مقالة عن أبي هريرة وعن الصحابة، وأن الصحابة كانوا رمماً!! إلا واحد أو اثنين أو ثلاثة، ويقول عن أبي هريرة أنه اعترف بلسانه وقال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني) وقال: هو الذي يعترف، كان يمشي وكل همه أن يأكل، مع أن هذه الكلمة جاءت في حديث طويل وكان أبو هريرة يدافع عن نفسه، فـ عائشة رضي الله عنها اعترضت عليه في حديث نقله فنسي كلمةً أو دخل في نصف الكلام، وأن للكلام تتمة، فهو يدافع عن الحديث الذي سمعه، فقال: (يا أم! إنه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشط والمرآة، أما أنا فكنت رجلاً ملصقاً أمشي معه على ملء بطني).

أي: لا أتركه أبداً.

فأي طعن على أبي هريرة بهذا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: يفتح لكم فيقال: (أفيكم من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أفيكم من رأى من رأى رسول الله؟ أفيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله؟ فيفتح لهم) ونظر النبي صلى الله عليه وسلم نظرة في النجوم، فقال: (النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأصحابي أمنةٌ لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، إذاً: الصحابة بوابة الأمان لهذه الأمة، وهؤلاء المبتدعة أتوا على هذا الباب وأرادوا كسره، فاتخذوا لذلك عدداً من الأساليب سواءً كانت صريحة أو غير صريحة، فالمسلسلات التي تتحدث عن الصحابة من هذا القبيل، وقد كان هناك مسلسل اسمه (على هامش السير) ويأتي لك ببداية ظهور الإسلام ويصور لك الصحابة، ويأتي لك بفتوى أنه لا يجوز إظهار العشرة المبشرين بالجنة ولكن يجوز أن يصور ما دون ذلك، وأين الدليل على